شاركت من سنوات في ندوة بمناسبة يوم المرأة العالمي في إحدى أقسام “دراسات المرأة” بجامعة كندية. وتحدثت في مداخلتي عن دور المرأة المصرية في الثورات. عن دورها البطولي في ملف الاستقلال الوطني في بدايات القرن العشرين وأثناء ثورة 1919 وحتى دورها في ثورة يناير 2011. لم تكن ثورة يونيو 2013 قد وقعت بعد، لكنت أضفتها. وبغض النظر عن الآراء التي قد تختلف حول أهمية ومغزى كل ثورة من هذه الثورات، فلا يمكن إنكار مشاركة المرأة فيها وتضحياتها وحرصها على مصلحة وطنها.

نحن الحارسات الحاميات المضحيات. بدءا من جدتنا الغالية “إيزيس” أم مصر، حاملة تاج عرشها ومانحة النماء والشفاء عندما تفرد جناحيها على وادينا الطيب، مرورا بـ”عشتار” السومرية المحاربة، العاشقة، الشافية، و”سيبل” الإغريقية “حارسة المعارف” التي أسماها الرومان الأم العظيمة Magna Mater، وحتى “إفانجلين” الأكادية التي لم يهزمها المنفى ولا فقد الأرض والحبيب، والتي صارت رمز العزة والكرامة والصمود، رمز الأرض التي يحملها الأكاديون في قلوبهم.

في كل الثقافات والحضارات تجد المرأة. هي الأرض والحماية هي منبع الهوية وهي البداية. تمثل روح الشعب التي لا يستردها إلا بها، كما حدث مع “إيفانجلين” التي استطاعت الوصول إلى حبيبها الذي باعد بينها وبينه المنفى القسري وشاركته لحظاته الأخيرة، كي تخط قصة الشعب الأكادي كله وتمنحه هوية يعتز بها إلى اليوم. وكما فعلت الوفية “إيزيس” حين جمعت شتات جسد زوجها، واتحدت به كي تلد لنا “حورس” حامي حمى الديار المصرية.

“إيزيس” و”أوزوريس” وابنهما “حورس”. تمثال من الأسرة الثانية والعشرين (المصدر)

وإن تركنا المخيلة قليلا وهبطنا على الأرض لقابلنا “أوليمب دو غوج” التي واجهت زملاء ثورتها الفرنسية بلا وجل. وقالت لهم لن يصح إعلانكم لحقوق الإنسان إن لم يشمل المرأة، ولن يسري دستوركم الجديد حتى وإن وقع عليه الملك (في الخامس من أكتوبر 1791 قبل أن يُعدم) إن لم يقر بمواده نصفُ المجتمع. ونشرت “دو غوج” بالفعل “إعلان حقوق المرأة والمواطنة” الذي كان أحد أسباب إعدامها لتجرأها على الخروج من بيتها وانخراطها في السياسة و”لنسيانها الفضائل المناسبة لكونها امرأة” كما جاء في صحيفة « La Feuille du salut public » التي نشرت مقالا حول واقعة إعدامها بالمقصلة.

وانتصرت “دو غوج” وأُخفق من ساندوا ظلم المرأة وحرمانها من حقوقها بينما يخطون بيدهم اليمنى “حقوق الإنسان”. واستمر الانتصار حتى تلك التظاهرة التي خرجت فيها النساء العاملات في الولايات المتحدة في بداية القرن للمطالبة بتحسين ظروف العمل وتم وقتها اختيار الأحد الأخير من فبراير من كل عام يوما عالميا للمرأة حتى 1913.

وأخص بالذكر نساء الهند اللائي مهدن الطريق لأخواتنا هناك. ومن بينهن “فاندانا شيفا” التي تعرفت على أعمالها الإنسانية بالصدفة. هذه المرأة التي ترتدي الملابس التقليدية الهندية الجميلة وتزين جبينها بـعلامة الـ”بيندي” المستديرة، هي عالمة فيزياء ومحبة لأرضها وللبشرية. وهي تحارب تخريب الزراعة وتسعى إلى حماية مزارعي الهند وحقهم في السيادة على أراضيهم وما يزرعون بها. وهي شجاعة وطَلِقة ولا تتنكر لأصلها بل تتمسك به. وتواجه محاولات العولمة للقضاء على الثقافات الأصيلة بكل شجاعة.

“فاندانا شيفا” في مقابلة لها في 13 فبراير 2021 تتحدث دفاعا عن حق المزارعين في زراعة أرضهم بما يتماشى مع إرادتهم ومع ممارسات الزراعة المتوافقة مع قواعد الصحة والسلامة.

ولا ننسى من عبدن لنا الطريق من جداتنا وأمهاتنا. “هدى شعراوي” التي لم تتردد في المشاركة مع الوفد المصري دعما لقضية الاستقلال الوطني وكتبت المقالات تشجيعا للمرأة المصرية على تحسين حياتها والتخلص من بقايا بلادة عصر الحريم في المجلة التي أسستها بالمشاركة مع “سيزا نبرواي”، “المصرية” L’Égyptienne، والتي كانت تزين غلافها صورة الفلاحة المصرية.

العدد السادس من مجلة “المصرية” الصادر في الأول من يوليو 1925 (المصدر)

وتلميذة “طه حسين”، “سهير القلماوي”، أولى طالبات الجامعة المصرية وأولى الحاصلات على درجة الدكتوراه في الأدب. والعالمة المصرية النابغة المحبة لوطنها “سميرة موسى”، تلميذة “مصطفى مشرفة”. والتي أتمنى أن أكتب عنها يوما. بما قدمته من نبوغ علمي، خاصة مشروعها القيّم حول استخدام الطاقة الذرية في نواحي الخير والشفاء. وسوف يبقى اسم “سميرة موسى”، شهيدة العلم وابنة مصر البارة، وإرثها إلى الأبد مكتوبا بحروف من نور في تاريخ المرأة في العالم.

عالمة الذرة المصرية، شهيدة العلم، “سميرة موسى” (المصدر)

لا أذكر هذه الأسماء اليوم من أجل تبرير الاحتفال بالمرأة. بل من أجل تقديم العرفان والامتنان والتقدير لما قمن به هؤلاء النساء العظيمات من تحد حقيقي لأعراف وقوانين متوارثة من آلاف السنوات رفعت عنا ثقل المنع والحرمان والاضطهاد. لولاهن لما كنا هنا. هؤلاء اللاتي دافعن عن حريتنا، عن حقنا في الحياة، عن حقنا في التعليم وفي فرص عمل متساوية.

لذلك في يومك أيتها المرأة. أقدم لك بالغ شكري وتقديري لكل ما بذلتيه من جهد وما قدمتيه من تضحيات.

Facebook Comments