قصة “دعوة عشاء” المنشورة في ميريت الثقافية العدد 48 ديسمبر 2022

دعوة عشاء

قصة قصيرة

“بتقولي كانت محجبة وقلعت الحجاب؟” توقفت شهقات “نيفين” التي كانت تخنق صوتها للتو. كلمات الضابط تتراقص أمام أعينها. أبوها تململ وقال شيئاً للضابط لم تميزه، لكن هذا الأخير أشار لها “قلعته ليه بقى الست هانيا؟”

تلعثمت. الذكريات تبدو باهتة في هذه اللحظة. تسمع صوت “هانيا” في أذنها وهي تحكي لها على التلفون ما جرى من “عبد الرحمن” أو ما اشترته مع أختها أو تشكو لها من تطفل القريبات في شؤونها الخاصة. مشاكل كلها بناتي ليس فيها سؤال واحد ضخم مثل هذا السؤال.

ربما أجابت. ربما قالت إن ‘هانيا لبست الحجاب فترة بسيطة’ ربما قالت ‘معرفش’.

لم يكن الأمر مهما.

لكن الضابط يسأل وكأن كل الزمن قد توقف

“هي مكانتش تعرف إنه فَرْض ولا ايه؟”

يحملق بـ”نيفين” بطريقة تجعلها تنظر في اتجاه أبيها الذي يجلس متأهباً الآن. هناك توتر في الغرفة. تنظر نيفين مرة أخرى إلى الضابط الحليق وهو يعبث في قلم بيده وينتظر بنفاذ صبر أن تتكلم

“مش عارفة.”

“يعني صاحبتك تتحجب وبعدين تقلعه ومتسأليهاش ليه؟”

يعاود الحملقة بشعرها المكوم في كعكة غير مُعتنى بها في أسفل رأسها.

لقد جرّت جسدها المنهك من البكاء وقلة الطعام والنوم وحبات الصداع كي تعطي أقوالها.

فكرت في أمها التي تنتظر خروجهما في السيارة.

“هي لبست الحجاب فترة بسيطة في الصيف وبعدين رجعت عادي.”

يشير الضابط إلى الآخر الذي يدون.

“من امتى وهي بتركب عربيات مع الشبان؟”

تتجنب “نيفين” النظر باتجاه أبيها. “عبد الرحمن” في العناية المركزة و”هانيا” لم تعد معهم. لِمَ هذا الخوض في سيرتهما؟ كل شيء يبدو عدمياً. ما كان يجب أن يتدخل هذا الضابط في أي شيء. إنه يفسد المأساة. يحولها إلى هزل دامٍ.

“عبد الرحمن زميلنا وكان ساعات يوصلها الدرس.”

يلقي الضابط بالقلم بعصبية على المكتب.

“كانوا في الصحراوي بيوصلها درس في الهِوّ ده؟”

تشهق “نيفين” عدة مرات. كانت فكرة حمقاء. أن يجعلها تقود السيارة. أن يعلمها القيادة على ذلك الطريق. كان “عايز يجمد قلبها” وقد تجمد إلى الأبد.

“كان… كان بيعلمها… السواقة.”

الضابط يتنهد. يوجه تعليمات لمن يدون. ينظر إلى الأب ثم إلى الابنة.

“هنطبع أقوالك وتمضي عليها.” يقول للأب “لو اهتمينا ببناتنا نحميهم من الانحراف.”

تخرج “نيفين” إلى الشارع. يمسك أبوها بيدها. تهمس له

“هانيا مكانتش منحرفة يا بابا.”

تمت

نبذة عن الكاتبة

نادية توفيق كاتبة مصرية مقيمة في كندا. حاصلة على بكالوريوس الصيدلة وماجستير في الأدب المقارن ودكتوراه في الأدب الفرنسي. فازت روايتها “نساء المحروسة” في مسابقة “ببلومانيا للرواية العربية 2020”. الرواية تتحدث عن حرية الفكر والروح والجسد، والحدود بين المذكر والمؤنث على مدار الجغرافيا المصرية. ولديها حالياً رواية قيد النشر بعنوان “أنشودة بمداد أحمر”.

بدأت منذ سنوات بكتابة القصة القصيرة. ونشرت بعضا من قصصها ومقالاتها في دوريات أدبية مثل “إبداع” و”القصة” و”ميريت الثقافية”. باكورة أعمالها هي المجموعة القصصية “أجنحة متكسرة” التي تتحدث عن الحب والحياة والموت والأمنيات الغالية.

الموقع: http://nadiatawfikbooks.com/

فيسبوك وتويتر وانستجرام: @nadiatawfikbooks

يوتيوب: @nadiatawfikbooks

جودريدز: Nadia Tawfik نادية توفيق

Facebook Comments