العواف.

الدنيا قامت ومقعدتش.

بيقولك واحدة مخرجة إيرانية جابت في ايدها ولية أمريكانية ببرنيطة. والانتين قعدوا يلتوا ويعجنوا. “وأنتي منين يا ختي؟” و”أخبار ابنك جوناثان ايه؟ مش انصلح حاله كدة والتفت لدراسته؟” والتانية تقولها “مدرتيش؟” فصاحبتنا الإيرانية تسألها “ايه؟ خير يا ختي!”

ما هو حاكم كلمة “يا ختي” دي مصرية أصيلة. كلمة مودة وحب. ترطب بيها أي قعدة وتحلي بيها الكلام، وتراضي بيها المقموص.

المهم الولية الأمريكانية ذات الشينيون قالت للمخرجة “أصل أنا جدتي الله يرحمها قالت لي انسي اللي علمه لك في المدرسة. يا ختي بلا خوتة. الست ملهاش إلا جوزها وعيالها. وأنا كنت نوغة صغيرة، ومش فاهمة جدتي قصدها ايه. بس هي فطمتني على كل حاجة. وكلام ف سرك. أمي مش أمي، وأبويا مش أبويا، وشنيكوا مش بنت الجيران اللي أخويا كان بيعاكسها في الرايحة والجاية.”

“يا لهوي!” ضربت المخرجة بايدها على صدرها وقالت بعلو حسها “وجدتها! تبقى كليوباترا كانت سودا!”

الولية ذات الشينيون عنيها بقت وسع الفنجان: “يا خراشي! أنت مخاوية ولا ايه يا نهر زادة! ده كأنك كنت معانا.” وتفت في عبها تلات مرات. “ده نفس الكلام اللي جدتي قالته بالحرف. ألف رحمة ونور تنزل عليكي يا تيتا. والله قطعت بينا!”

ومسحت دمعة فرت من عنيها. “دمعة زادة” اتنطرت من مكانها. وفضلت ماشية رايحة جاية، جاية رايحة لحد ما الست ذات الشينيون قالت لها “يوه. خيلتيني يا شابة. ما تثبتي في مكانك!”

“خيال زادة” اترزعت على الكرسي تاني، وهي بتمسك بايدين الولية العجوزة وبتهزها وتقولها “وجدتها! ما أروعك!”

“ايه؟ بتقولي ايه؟ ما تكلمي إنجليزي يا شابة زي بقية خلق الله.”

“كلام زادة” اكتشفت إنها رطنت بالفارسي. فابتسمت في خجل وقالت لها “كنت بقولك إنك رائعة! فكرتيني بالعرافة اللي قابلتها من كام يوم.”

الولية ذات الشينيون بعدت ايديها وهي بتستغفر ربنا “يا شيخة حرام! لعن الله العرافين والعرافات. ده صلاتك متتقبلش أربعين يوم. مش أنت مسلمة موحدة برضه؟”

“توحيدة زادة” حست بالخجل بس ابتسمت في ارتباك. “أنت عارفة إن بلدي مفيهاش حريات دينية، فأرجوكي خلينا من الموضوع ده. خلينا في موضوعنا. عارفة أنا هعملك فيلم، ايه رأيك بقى؟”

الولية ذات الشينيون ابتسمت ابتسامة عريضة جدا “ده يبقى يوم المنى. أنا فديكي الساعة لما أبقى نجمة!”

“لا لا لا، ده هيبقى دكيو مش فيلم.”

الست بان على وشها الاذبهلال “يعني ايه؟”

“يعني فيلم بس كدة وكدة.”

“يعني أنا هطلع فيه؟”

“طبعا، وهيكون عن الملكة كليوباترا.”

“بجد؟ طب خلاص. أنا هجيب لك كل المراجع اللي عندي.”

المخرجة “مرجع زادة” اتنطتت زي الطفلة الصغيرة. “يا ريت يا ريت. أصلي نفسي اوي اوي أتنشط سياسيا.”

الولية ذات الشينيون بصت لها بريبة وهي بتمتم “سلاما قولا من رب رحيم!”

“سلام زادة” وقفت على حيلها وراحت عند الشباك الكبير. الولية ذات الشينيون بصت لها بوغوشة.

بدأت “وغوشة زادة” ترفع ايديها وتقف على طراطيف صوابعها وهي بتقول “عايزة أعمل عمل أدخل بيه التاريخ ولو حتى من باب السفرجية. طول عمري نفسي أمسك قلم أسود، وأسوّد كل الوشوش.”

نزلت دراعاتها “أصل أنا كنت خايبة في الرسم وأنا صغيرة. ومدرس الرسم مكانش عنده يا أما ارحميني. ويا ما اتلسوعت بالمسطرة. عشان كدة بقت هوايتي أي وش أشوفه قدامي أمسك القلم الأسود وهاتك يا تلوين.”

“وده يا ختي جالك من امتى؟”

بطبيعة الحال الفنانة المخرجة “ألوان زادة” تفهمت بساطة تفكير الولية الأمريكانية. أصلهم في أمريكا مبيعلموش الولاد تاريخ أفريقيا. عشان كدة هي مصممة تعلمهم التاريخ وهي بتتنشط سياسيا. “ده هيوصلني لسلم المجد فورا. عارفة أمير كتب لي ايه من اوضة نومه في القاهرة؟”

الولية ذات الشينيون اتنطرت من مكانها “لا يا ختي، حد الله بيني وبين الحرام! أنت فاكراني واحدة من إياهم ولا ايه! ده أنا من ولاية متحزمة بحزام البايبل ومبسيبش فرض. على آخر الزمن تقولي لي أمير واوضة نوم. لا، لا، يغور الفن واللي عايزين يفنوا!”

مسكت “فن زادة” في دراع الولية وكانت هتخلعه. “اقعدي بس، استهدي بالله! مش قصدي والله! ده أنا جايبة لك معايا الاسكريبت اهو. اسكريبت ايه معتبر. عملته في تلاتين ثانية واحنا قاعدين. هيكسر الدنيا.”

الولية بان على وشها الحيرة. فانتهزت “حيرة زادة” الفرصة وطرقت الحديد وهو ساخن “بقولك ايه؟ احنا هنصورك بعبلك كدة. كل اللي عليكي تقوليه الكلمتين بتوع جدتي والمطبخ والسواد. وبس.”

الولية ذات الشينيون حطت ايدها على قلبها “يعني مفيش مشاهد ساخنة؟”

“ولا باردة.”

وضحكت “باردة زادة” لوحدها لأن الولية ذات الشينيون فضلت قاعدة تبحلق فيها وكأنها شايفة قدامها أراجوز دمه تقيل.

Facebook Comments