
شاركت بهذه المسرحية في مسابقة الرؤى المسرحية لعام 2024
شخصيات المسرحية:
سوسن وناصر وإسلام: أخوات
الأم: والدة سوسن وناصر وإسلام
ولاء: زوجة إسلام
غادة: زوجة ناصر
عبد التواب: صاحب العمارة
(غرفة معيشة في بيت من بيوت الطبقة التي كانت وسطى. تدخل سوسن إلى الغرفة حيث يجلس أخواها إسلام وناصر.)
سوسن: ماما نائمة الآن. (تجلس) كما تعلمان الطبيب قام بزيارتها اليوم وأوصى بضرورة رعايتها ومتابعة العلاج معها طوال الوقت، فما رأيكما؟
إسلام: أنتِ تعلمين أن زوجتي مشغولة طوال النهار ولن تستطيع المجيء هنا بانتظام… لكن لا تقلقي فسأمر على أمي كلما تيسر.
سوسن: غريب منك هذا الكلام وأنت الذي لا تكف عن الحديث عن بر الوالدين وصلة الرحم.
ناصر: سوسن على حق. زوجتك لا تعمل وهي القادرة على التناوب على رعاية أمنا مع سوسن.
إسلام: آه تتغدى بي قبل أن أتعشى بك، أليس كذلك؟ زوجتي ترعى ستة أطفال أما زوجتك أنت فتذهب إلى العمل يومين فقط في الأسبوع وليس لديكما سوى طفلين. هي إذن أولى بتقديم الرعاية من زوجتي.
سوسن: مهلًا أنتما الاثنان. المسؤولية مسؤوليتكما أنتما أولًا وأخيرًا. ولو شاركت ولاء أو غادة معنا فسيكون كرمًا منهما. علاوة على (يحاول ناصر مقاطعتها لكنها تكمل) أننا سنحتاج إلى ممرضة مقيمة. ويجب أن نقسم راتبها علينا.
ناصر: ماذا؟ من أين؟ أنت أدرى بالبئر وغطاه.
إسلام: الحال من بعضه يا أخي.
سوسن: وهكذا نفضتما أيديكما من المسألة برمتها. عمومًا لم أكن لأقترح أن أشارككما في النفقات لولا علمي بظروفكما التي تشبه ظروفي.
ناصر: ولم أعفيتِ نفسك؟ ألستِ نسوية ولا تكفين عن الحديث عن الحقوق وخلافه؟ كله حقوق حقوق، والآن تهربين من أداء واجباتك!
سوسن: احضرنا يا شيخ إسلام، هل على الابنة أن تنفق على أمها المريضة أم هو واجب الإخوة الذكور؟
إسلام: (ينظر إلى ناصر في حيرة) الإنفاق على الأم ليس واجبًا إلا إذا كانت فقيرة، وقد اختلف العلماء-
سوسن: (تقاطعه) كلا لم يختلفوا. الإنفاق مسؤوليتكما أنتما وإلا فلم حصلتما على أكثر من نصيبي أنا وأمي في تركة أبي؟ ألم تتمسكا بالشرع وقتها؟ وبعدها ظللتما تلحان على ماما حتى باعت لكما نصيبها في الأرض.
ناصر: نعم، باعت بملء إرادتها.
سوسن: بل هو بيع صوري، لم تحصل منه على مليم واحد.
إسلام: وماذا في هذا؟ إنها أمنا.
سوسن: وحان وقت رعايتها وأداء الواجب تجاهها. هه، ما رأيكما؟
ناصر: سوسن، أنتِ تعقدين الأمور. سأقترح حلًا. أنتِ تدفعين راتب الممرضة ونحن نرسل زوجتينا للتشقير على أمي كلما أمكن.
سوسن: (تضحك باستخفاف) جميل! وبذلك تتحمل النساء العبء كله وتلعبان أنتما في المضمون.
إسلام: اسمعي، أنا أعرف أنكِ تقرئين الكتب المفسدة للفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، لذلك فلا تبالغي في طلباتك معنا.
سوسن: أنا لن أفعل شيئًا.
ناصر: ماذا تقصدين؟
سوسن: (تقف وتبدأ في التوجه إلى الداخل) سأعد لأمي وجبة خفيفة كي تتناول معها الدواء حين تستيقظ. وبعدها سأعود إلى بيتي وأترك لكما كل المهمة.
(تختفي في الداخل.)
ناصر: ما هذه الكارثة يا إسلام؟ ماذا نفعل؟
إسلام: نطلب فتوى من الأزهر.
ناصر: مزاجك رائق وتمزح حضرتك!
إسلام: كلا بل أعني ما أقول. الفتوى ستفحم سوسن.
ناصر: وماذا لو أفتوا لنا بضرورة المساعدة؟
إسلام: مستحيل. منذ متى والرجل يرعى المرضى؟ لقد كان هذا هو عمل النساء منذ القدم. حتى في عصر النبوة كانت النساء تضمد الجرحى وتسقي المجاهدين. هذا عمل النساء بلا شك.
ناصر: بالفعل. من يقول إن الابن يغير لأمه ملابسها ويطعمها ويسهر قرب فراشها، والابنة تجلس واضعةً ساقًا على ساق؟ ما هذا العبث الذي تريده منا سوسن؟
إسلام: هذا يا سيدي هو التدمير الذي أصابت به النسوية عقول النساء وأفسدت به حياتهن.
ناصر: لكن ماذا لو أفتوا بأن ننفق نحن وندفع للممرضة راتبها؟
إسلام: حتى وإن فعلوا، فسنشرح لهم أننا أصحاب عيال، ولا يمكننا تحمل مثل هذه النفقات.
ناصر: لا تنسَ أن أمك أيضًا ستحتاج إلى أدوية بانتظام كل شهر، ومعاش والدي بالكاد يكفيها.
إسلام: اسمع يا ناصر علينا أن نتحد حتى نخرج من هذا المأزق. وإلا فلا حل سوى… سوى…
ناصر: هل تفكر فيما أفكر فيه؟
إسلام: هذه حكمة الله، ولا راد لقضائه، وليس لنا الخيرة من أمرنا فيه. المهم حتى هذا الحل سيحتاج إلى مصاريف.
ناصر: اسمع، هيا بنا نبتعد عن هنا كي نتصل بمركز الفتوى على روقان.
إسلام: نعم لا نريد مزيدًا من المشاكل مع الست سوسن.
(يخرجان من شمال المسرح. نسمع صوت إعداد الطعام في المطبخ ثم صوت الجرس. تتجه سوسن لفتح الباب. تدخل امراة منقبة تتكلم بسرعة.)
ولاء: أين هو؟ أين إسلام؟ أين هو؟
سوسن: ماذا حدث يا ولاء؟ اهدئي.
ولاء: (ترفع النقاب عن وجهها) كيف لي أن أهدأ؟ وصلتنا ورقة التنسيق للتو (تخرج ورقة من حقيبتها الحمراء وتلوح بها) الولد لن يدخل طب، لن يدخل أي كلية من كليات القمة. أتتصورين أن يحصل على ستة وتسعين في المائة ولا يجد له مكانًا في أي كلية جيدة؟ (تبدأ في البكاء)
سوسن: اهدئي يا ولاء. لا بد أن هناك حل.
ولاء: أين إسلام؟ ألم يأتِ إلى هنا مع أخيه؟
سوسن: نعم. أظنهما في الشرفة يدخنان.
ولاء: آسفة يا سوسن. لم ألقِ عليك السلام. عقلي يكاد يشت مني. نحن نطفح الدم منذ سنتين ترقبًا لهذه اللحظة. (تعاود البكاء) يا مراري! إنه أول المشوار. ماذا سنفعل مع الخمسة الباقين؟ (سوسن تجلس وهي تجفف يديها) لا بد وأن أجعل إسلام يوسعه ضربًا هذا المستهتر! كيف لم يجتهد ويحصل على الدرجات النهائية؟ كل زملائه حصلوا على ما يزيد عن مائة في المائة.
سوسن: هذا ليس ذنب محمود. الفتى اجتهد وذاكر وعمل ما عليه. لا بد أن هناك خطأ ما لأن البعض يدخل الطب الآن بمجموع خمسة وسبعين في المائة.
ولاء: هل تسخرين مني؟
سوسن: (تبتسم) لا أبدًا. ألا تتابعين الميديا أو حتى السوشيال ميديا؟ كليات الطب في كافة أنحاء الجمهورية تقبل البعض بمجموع خمسة وسبعين في المائة.
ولاء: هل نستطيع أن نضم محمود إليهم؟
سوسن: بالتأكيد.
ولاء: (تمسك بذراع سوسن) أنا في عرضك. قولي لي كيف!
سوسن: تحصلين له على بطاقة أخرى تفيد أنه غير مصري.
ولاء: ماذا؟ أتسخرين مني؟
سوسن: كلا، إن استطعتِ تغيير بطاقته، يمكنه تقديم أوراقه معهم والحصول على فرصة مخفضة لدراسة الطب.
ولاء: ياه يا سوسن للحظة أحييتِ الأمل في قلبي. بينما أنت تسخرين مني ومن ابني.
سوسن: أنت تعلمين مدى حبي لمحمود وإخوته. وأعرف كم هو مجتهد. لكن هذا هو واقع الحال.
ولاء: والحل؟
سوسن: (تقف) بصراحة لا يوجد حل سوى أن يدخل الكلية التي أصابها في التنسيق أو تقدمون له في جامعة خاصة.
ولاء: (تضرب على صدرها) يا مصيبتي! مصاريف أخرى مضاعفة! نحن مديونون حتى شوشتنا.
سوسن: (تتحرك إلى الداخل) سيكون هناك حل. لا تقلقي. عليّ أن أكمل إعداد الطعام لماما.
ولاء: (تقف وتكاد تتبعها لكنها لا تفعل) أمن المعقول أن تقبل كلية طب على سن ورمح مجموعًا متدنيًا كسبعة وخمسين أم قالت خمسة وسبعين؟ سوسن هذه تتفنن في تقاليع السوشيال ميديا. ماذا سنفعل؟ هل يعيد السنة وندفع ضعف ما دفعناه في سناتر التعليم؟ يا مراري! لماذا يا ربي كل هذا؟ استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.
(تتبع سوسن إلى الداخل. يدخل بعدها إسلام وناصر.)
إسلام: أشم رائحة مألوفة.
ناصر: ماذا سنفعل الآن؟
إسلام: سنرسل السؤال اونلاين على صفحة طلب الفتوى.
ناصر: لا يهم هذا الآن. المهم ماذا سنقول لسوسن؟
إسلام: كيف لا يهم؟ سوسن لن تصمت إلا بفتوى شخصية نضعها في وجهها. إلى متى ستتنصل من واجباتها تجاه أمها؟ ثم إنها ليست متزوجة ويمكنها أن ترعى أمنا يوميًا.
ناصر: لكن لا تنسَ أنها تعمل وتربي ابنها وحدها.
إسلام: ابن واحد كأنها حرة نفسها.
ناصر: (مفكرًا) ماذا لو اقترحنا عليها أن تقيم مع أمي؟ الممرضة تأتي صباحًا ثم تغادر بعد عودة سوسن من عملها. وهناك غرفتان يمكنها أن تقيم في واحدة وابنها في الأخرى.
إسلام: يا حلاوة! وبذلك تثبت أنها كانت مقيمة في هذه الشقة ذات الإيجار القديم. وتستطيع أن تظل مقيمة فيها إلى ما شاء الله. ولن يمكننا مفاوضة صاحب البيت على إعادتها إلى حيازته بمقابل. يا لأفكارك العبقرية يا أخي الأوسط!
ناصر: سوسن لن تفكر بهذه الطريقة.
إسلام: حقا؟ وهي التي تعيش في شقة إيجار جديد، وعقد ايجارها على وشك الانتهاء نهاية هذا العام؟
ناصر: ولكن صاحب البيت مسرور منها ويجدد لها عقد الإيجار كل سنتين.
إسلام: كلا. هذه المرة سيطالبها بزيادة.
ناصر: من قال لك هذا؟
إسلام: سوسن بنفسها هي من أخبرت زوجتي وزوجتك أيضًا. يبدو أن صاحب العمارة بدأ يؤجر لأسر قادرة على الدفع أكثر من سكان حيها. وفاتح سوسن في موضوع زيادة الإيجار.
ناصر: (يبدو عليه القلق) ما هذه المشكلة المعقدة!
إسلام: الحل الوحيد هو ما قلته أنت منذ قليل ألا وهو أن نحضر لها ممرضة وتأتي ولاء وغادة لرعايتها من وقت لآخر.
ناصر: غادة لن توافق. ثم من أولى برعاية الأم؟ الابنة أم زوجة الابن؟
إسلام: كلهن نساء يا عزيزي. (يسمع صوت زوجته) قلت لك إنها رائحة مألوفة.
ناصر: نعم، عطر الياسمين!
إسلام: أعوذ بالله من غضب الله. زوجتي لا تتعطر أبدًا.
ناصر: عطر الياسمين يا أخي، أعني طوق الياسمين، أغنية ماجدة الرومي.
إسلام: أعوذ بالله. الغناء حرام، فهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع. ألن تنتهِ أبدًا يا أخي وتراعي حدود الله؟
(يضحك ناصر باستخفاف ويخرجان معًا متجهين إلى المطبخ. تدخل امرأة كبيرة في السن وتجلس على الكنبة.)
الأم: المرض تجربة فريدة من نوعها. فهو يغير من سلم أولوياتك ويجعلك تنكفيء على نفسك. وتصبح أقل الاحتياجات معضلة تحتاج إلى حل معقد. (تمسك بجريدة موضوعة على طاولة) آخر جريدة اشتراها المرحوم بعدما عاد من مشوار قبض المعاش. كان يومًا حارًا من أيام شهر أغسطس. لم يمهله القدر قراءتها. أحتفظ بها هنا. تمنحني شعورًا بأنه سيعود لقراءتها، وأن الزمن لم يفت، وأننا لم ندفنه. كأنه سيخرج من الحمام ويسألني ‘هل تناول الأولاد طعام الغداء؟’ وأرد بـ’نعم، الحمد لله’. ثم يقول ‘ألا تعدين لي كوب الشاي الجميل من يدك يا ست الكل؟’ وأرد ‘من عنيا’. (تصمت برهة) أحكي مع جارتي عفاف، ‘سوسن تتأخر في الجامعة لأنها تحب السياسة وتشارك في الأنشطة الجامعية. وإسلام علاقته بأبيه متوترة بسبب اختلاطه بأولئك الملتحين، أما ناصر فهاديء، يذاكر ويحصل على تقدير جيد دون مشاكل’. (تسمع ضجة فتنادي) حلمي؟ عفاف؟
(تظهر سوسن.)
سوسن: ماما؟ هل استيقظتِ؟ دقائق ويكون الطعام جاهزًا يا ست الحبايب.
الأم: من معك هنا؟ هل أتت تنت عفاف لزيارتي؟
سوسن: (تعدل لها جلستها وتضع مساند وراء ظهرها) ليس بعد. قيل لي منذ مدة إنها مسافرة. بعد أن انتهي من إعداد الطعام سأصعد للسؤال عنها.
الأم: من معك هنا؟
سوسن: إسلام وناصر وولاء.
(يبدو على وجه الأم الامتعاض لكنها لا تقول شيئًا. تظهر ولاء وتقف مترددة في الجلوس. يدخل ناصر يتبعه إسلام مطأطيء الرأس.)
الأم: أنتم جميعًا هنا؟ وأنتِ يا ولاء تركتِ أولادك وحدهم وأنتِ تعلمين مدى شقاوتهم؟
ولاء: ما كان هذا سوى لأمر جلل يا حماتي.
الأم: حماتك؟ (تلوي شفتيها) قلت لك مرارًا إما أن تقولي لي يا ماما أو يا تنت. حماتي هذه لا تعجبني.
ولاء: (تنظر إلى زوجها كي ينقذها لكنه يتجاهلها) أعتذر منك. أنا في حال يُرثى لها اليوم.
الأم: خيرًا؟ ماذا جرى؟
سوسن: (تنهض) سأدخل كي أرى الطبيخ على النار.
ولاء: (تقف) خذيني معك. سأساعدك. (تخرج في إثر سوسن)
الأم: ما بال زوجتك يا إسلام؟
إسلام: لا شيء، إنه فقط خبر تنسيق ابننا محمود.
الأم: (تشيح بيدها) لا أحد يُرزق بغير نصيبه! المهم أنه مر من عنق الزجاجة.
إسلام: وانحشرنا فيها نحن!
الأم: منذ متى تهتمون بالعلم؟ ألم تكن أنت يا إسلام من تركت دراستك في كلية الحقوق وأنت في السنة الثالثة بدعوى أنها علوم لا تنفع؟
إسلام: (متأففًا) ما لزوم هذا الكلام الآن يا أمي؟ كانت فترة في حياتي وانتهت.
الأم: ويا ليتها عادت عليك بأي نفع. لو كنت سافرت وكونت نفسك أو جمعت مريدين يأتمرون بأمرك، لكان لإطالة لحيتك فائدة. كما كان يقول أبوك، رحمة الله عليه، إسلام تبع هذه المجموعة واكتوى بنارها لكنه لم ينعم بنعيمها.
إسلام: (ينظر إلى ناصر مستنجدًا لكن ناصر يتجاهله) لا تفكري سوى في صحتك الآن.
(يدق جرس الباب ويسارع ناصر بفتحه. يعود ومعه ورقة ينظر إليها ثم يجلس وهو فاغر فاهه. تعود ولاء من الداخل.)
ولاء: هل هناك مزيد من المصائب في هذا اليوم الغريب؟
ناصر: لا أكاد أصدق! صاحب البيت حصل على حكم بطردك من البيت يا أمي.
إسلام والأم: حكم؟ أي حكم؟
ناصر: (ناظرًا إلى الورقة) إنه حكم محكمة. يبدو أنك لم تحضري أي جلسة وصدر ضدك حكم بإخلاء الشقة في خلال أسبوعين.
(تظهر سوسن من الداخل وتجلس بجوار أمها وتحيطها بذراعها.)
سوسن: لا بد وأنه تحايل كيلا يعلمك بالقضية. لا تهتمي! سوف… سوف نجد حلًا.
الأم: توقعت هذا منذ كفت عفاف عن زيارتي.
سوسن: ما دخل تنت عفاف؟ إنها مجرد مستأجرة مثلك.
الأم: لقد مرت عليّ منذ فترة. ورفضت تناول أي شيء. قالت إنها مستعجلة ويجب أن تغادر في التو واللحظة. ووعدت بزيارتي في وقت آخر، لكنها لم تفعل قط.
ناصر: (متوجهًا إلى أخويه) ماذا سنفعل؟
سوسن: ماذا عن أصدقائك القدامى يا ناصر؟ أيمكنهم تدبير مسكن مؤقت لماما؟
ناصر: ولم نلجأ للغريب وشقتك موجودة؟
سوسن: عقد إيجاري به شرط عدم السماح بإقامة أحد غيري ورامي ابني في الشقة. وعلى كل حال، المالك ينوي زيادة الإيجار عند انتهاء العقد بعد عدة أشهر. ولا أظن أنه سيكون في مقدرتي. وغالبًا سأضطر إلى الانتقال إلى شقة أخرى. ويجب أن أبدأ بالبحث عنها من الآن.
ناصر: إسلام؟
إسلام: إسلام ماذا؟ شقتنا لا تكاد تكفينا ونقوم بالأعاجيب لفصل البنين عن البنات في المضاجع.
سوسن: (ساخرةً) لم تستطع تحسين حياتك برغم كل تلك الجهود، أليس كذلك؟
ولاء: بيت ناصر واسع وليس لديه سوى طفلين.
ناصر: (بعصبية) أرجوك لا تتدخلي يا ولاء!
(يدق الباب.)
ولاء: استر يا رب!
(يفتح ناصر وتدخل زوجته غادة.)
غادة: مساء الخير. ما لكم؟ ما هذا الوجوم؟ (تقترب من حماتها وتقبلها) كيف حالك اليوم يا ماما؟ أهلا سوسن (تقبلها) أهلا ولاء (تتجاهل تقبيلها ثم تجلس بجوار زوجها ناصر) ماذا حدث يا جماعة؟ أخبروني!
الأم: ابناي الذكور محتاران ماذا يفعلان بأمهما المريضة. أيلقيان بحمل رعايتها على أختهما الوحيدة أم على زوجتيهما؟
ناصر: أكنت تستمعين إلى حديثنا؟ ألم تكوني نائمة؟
الأم: (تتجاهله وتكمل) وأخيرًا جاءنا خبر إصدار حكم بالطرد ضدي.
غادة: (تنظر إلى الجميع غير مصدقة) لا بد وأنكم تمزحون، صح؟ نعم، هذا مزاح بلا شك.
سوسن: كلا. بل هو الواقع. أنت فقط كنت مشغولة بعملك وأبحاثك فلم تتابعي حالة ماما المرضية وما كان يدبره صاحب البيت في الخفاء ضدها. ولا حتى أنا توقعت منه هذا الغدر.
ولاء: ومحمود ابني لم يحصل على مقعد في كلية الطب رغم مجموعه الكبير.
غادة: غير معقول! لقد كنت أنوي توصية زملائنا في كلية الطب عليه لثقتي بأن التنسيق سيوصله إلى هناك.
سوسن: يبدو أن أمامنا عدة مشاكل متشابكة تحتاج إلى حلول مبتكرة.
(يدق الباب فينظر إليه الجميع في توتر ما عدا سوسن. ينهض ناصر الأقرب إلى الباب ويفتحه. يتبعه رجل ممتليء منتفخ الأوداج رمادي الشعر ذو نظرات ثاقبة. ولاء تنزل النقاب على وجهها.)
عبد التواب: السلام عليكم. متجمعون عند النبي بإذن الله.
(ينظر إليه الجميع في حنق.)
إسلام: أيصح يا حاج عبد التواب أن تطرد أمي من شقتها بعد أكثر من ثلاثين سنة عشرة؟ خلاص، بعت العشرة والجيرة الطيبة؟
عبد التواب: يا شيخ إسلام أنت قلتها بنفسك ثلاثون سنة، سنة تنطح سنة، بزيادة بقى! الزمن تغير والأحوال تبدلت وظروف الايجار تطورت.
ناصر: ألم نوافق لك منذ أقل من سنة على زيادة الإيجار، وزيادة أجرة البواب، وغسل السلم!
عبد التواب: يا أستاذ ناصر، هذا الاتفاق كان لخاطر السيدة والدتك، هل تدرك أن هذه الشقة ثمنها اليوم يتعدى الملايين العشرة وأن والدتك، لا مؤاخذة، لا تدفع سوى ثلاثمائة وخمسين جنيها في الشهر؟
سوسن: نعم، نتفهم هذا، ولكنه حال كل الإيجارات القديمة. ولا مانع من زيادة الإيجار لكن بالمعقول. أما الطعن في الظهر بهذه الطريقة…
عبد التواب: أنا المطعون يا أستاذة سوسن. هل تعلمين كم يصل الإيجار اليوم في عمارة مثل هذه في حي مثل هذا قريب من مركز المدينة؟
ولاء: خمسة آلاف جنيه.
(ينظر إليها الجميع بغيظ ما عدا عبد التواب.)
عبد التواب: أكثر من هذا. وصل إلى ثمانية آلاف بل وعشرة آلاف.
غادة: هذه أرقام خيالية!
عبد التواب: ومن الممكن أيضًا أن أطلب أكثر وسيوافقون.
ناصر: من هؤلاء؟
عبد التواب: غرباء لكن أشقاء.
ناصر: فزورة هي أم ماذا؟
سوسن: آه، أصابتكم هنا نفس اللوثة التي أصابت أصحاب العمارات في حيي إذن؟
الأم: (وكأنها تحدث نفسها) لو كانت عفاف هنا لأنبأتني بالخبر الصحيح.
عبد التواب: عفاف من يا ستنا؟ أتقصدين جارتك التي كانت تقيم في الطابق السادس؟ ياه تعيشي وتفتكري.
الأم: هل ماتت؟
عبد التواب: لا أدري. لكنها غادرت منذ شهور عدة.
(يبدو على الأم الحزن الشديد.)
سوسن: لا بد وأنك رفعت عليها قضية طرد دون أن تعلمها بطريقة قانونية.
عبد التواب: (يضحك) لكنني لم أظلمها. لقد قمت بزيارتها مثلما أفعل معكم الآن. وعرضت عليها تسوية ودية.
(يبدو على ناصر وإسلام الاهتمام.)
الأم: حقا؟ عداك العيب يا حاج!
عبد التواب: وقزح (يضحك).
ناصر: إذن كم تعرض علينا، أقصد على والدتي؟
عبد التواب: لأجل خاطر السيدة والدتك وعشرة العمر مع المرحوم والدكم، سأتنازل عن القضية وأكتب للوالدة الكريمة شيك بعشرة آلاف جنيه مصري بالتمام والكمال.
سوسن: هذا عرض لا يُقاوم!
(ينظر إليها أخواها في دهشة.)
إسلام: هذا ثمن بخس يا حاج!
عبد التواب: أنسيتم أنني صاحب العمارة ومالكها الحصري؟ لا يوجد قانون في العالم يلزم صاحب العقار بدفع خلو رجل إلى مستأجر عنده، لكنني أفعل هذا من باب الإنسانية.
ناصر: أية إنسانية تلك التي تتحدث عنها؟
عبد التواب: أنت يا أستاذ ناصر أستاذنا جميعًا. أنت من علمتنا أننا شعب واحد من المحيط إلى الخليج؟ ها أنا أتبنى هذا الفكر العظيم وأفتح أبواب عمارتي لجميع الأشقاء.
إسلام: ما هو بفكر وما هو بعظيم ذلك الفكر الفاسد الذي يلغي الملة والدين.
سوسن: يوجد أيضا الدين المشترك يا إسلام، فلم لا تتبناه؟
إسلام: نعم، نعم، المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص.
عبد التواب: عليك نور. ولهذا فأنا قررت أن أكون لبنة في هذا البنيان.
الأم: وتطردني من المكان الذي عشت فيه لأكثر من ثلاثين عامًا!
غادة: وفي هذا العمر ومع تدهور حالتها الصحية!
عبد التواب: يا دكتورة، كل حي معلق من عرقوبه. ولا تؤاخذوني أنتم أهلها ومسؤولون عنها وليس أنا.
إسلام: ليس لها من دون الله كاشفة! اسمع يا حاج. أنت تهز المبلغ قليلًا وساعتها نتكلم.
عبد التواب: أهزه! أيصدر هذا القول من رجل ملتزم مثلك! أستغفر الله!
ولاء: لا تصطاد في الماء العكر! زوجي يقصد أن تزيده.
(ينظر نحوها إسلام في حنق.)
ناصر: لا تنسَ العشرة التي كانت بيننا.
عبد التواب: صحيح، وكنتم نعم الجيرة. ولم يشتكِ ساكن واحد منكم قط طيلة تلك السنوات.
غادة: إذن اعمل بأصلك ودع حماتي في بيتها معززة مكرمة. وكما قالت سوسن نحن على استعداد للموافقة على رفع الإيجار.
(يتململ الأخوان لكن لا يعلقان.)
عبد التواب: لا بأس. إن كنتم على استعداد لدفع إيجار هذه الشقة الحقاني، فأنا على استعداد للتنازل عن تنفيذ الحكم الصادر في حق والدتكم.
غادة: اتفقنا!
سوسن: (لغادة) تمهلي. (ثم لعبد التواب) كم تريد؟
عبد التواب: ثمانية آلاف.
الجميع: جنيه!
عبد التواب: نعم، هذا هو الإيجار الذي سأحصل عليه من المستأجرين الجدد. هل تتوقعون مني أن أضحي بمبلغ كهذا من أجل الجيرة والعشرة الطيبة؟
ولاء: (بصوت منخفض) رجل ناقص! طماع صحيح!
سوسن: أنت تعلم جيدًا أن أمي لا تستطيع دفع هذا المبلغ ولا حتى نحن مجتمعين. إذن أنت تعجزنا.
عبد التواب: (ينهض) والله يا أستاذتي هذا هو الله وهذه هي حكمته. تشاوروا في الأمر وردوا عليّ فيما بعد. (يتوجه نحو الباب للخروج) السلام عليكم.
(لا يرد عليه أحد. بعدما يخرج ترفع ولاء النقاب عن وجهها.)
ناصر: لا أكاد أصدق أن يتقول على الفكر العروبي بهذا الشكل ويستغله لتحقيق أطماعه.
سوسن: هو لم يتقول. هذه هي أفكارك التي تروج لها من أيام الكلية وحتى أمس وقت أن كنت تعلق على منشور على فيسبوك حول مشكلة مصر مع التسلل عبر الحدود والإقامات غير الشرعية.
ناصر: ياه يا سوسن. هذا عالم افتراضي. أما هذه المصيية فواقعية!
إسلام: هذا يثبت صحة ما أسير عليه منذ خرجت من مرحلة الصبا.
ناصر: بل لم يجلب علينا فكرك سوى المصائب.
الأم: كفا عن هذه المشاحنات النظرية التي لا تغني ولا تسمن من جوع. ولنرَ ماذا نفعل.
غادة: أقترح توكيل محامي متخصص.
ناصر: ومن سيدفع له أتعابه؟
الأم: أدفع له أنا من المال الذي وفرته لدفنتي.
سوسن: لا يا ماما لا.
ناصر: وهل سيحل هذا المشكلة؟ سنحول المال من بند إلى آخر والاثنان مستحقان.
ولاء: يمكن لحماتي أن تقيم عند سوسن ولو بشكل مؤقت.
سوسن: أتريدين منا أن نستسلم لهذا الابتزاز؟ ثم أنك تعرفين أنني ربما أضطر للانتقال إلى مكان جديد بعد شهور.
ولاء: وماله؟ تنتقل معك والدتك.
سوسن: تعيش معي حياة عدم الاستقرار بعدما قضت عمرها كله مستقرة في مكانها؟ أهذا هو أفضل الحلول؟ وماذا عن علاجها وتمريضها؟
إسلام: إن وافقتِ على استضافتها معك، يمكننا المساهمة في أجر تمرجية للعناية بها.
ولاء: مهلًا مهلًا يا زوجي. أنسيت أن محمود ابننا ربما يعيد ثانوية عامة ليحسّن مجموعه؟ على ما يترتبه ذلك من دروس خصوصية وشراء ملازم؟
غادة: وكيف سنتصرف في أثاث الشقة؟
ناصر: يُباع.
الأم: قلتها بسرعة وحماس ولا كأن لك جذور هنا ولا كأنك تربيت في هذه الشقة وشهد المكان على كل مراحل صباك وشبابك!
ناصر: يا أمي نحن في أزمة!
إسلام: نعم، والضرورات يبحن المحظورات.
سوسن: هناك حل آخر أفضل.
الجميع: ما هو؟
سوسن: أن نبحث عن محامٍ شاطر يستشكل الحكم الصادر ضد ماما. ونتعاون كلنا في البحث عنه وتوكيله ودفع أتعابه مهما كانت التضحيات. وماما ستظل مكانها في تلك الأثناء. ثم نبحث عن تنت عفاف.
ناصر: ما هذا الكلام؟
سوسن: اسمعوني. تنت عفاف سبق وأن تعرضت لما تتعرض له ماما الآن. وهي جارة ماما وصديقتها لعشرات السنوات. سنحاول إقناعها بالانضمام إلى قضيتنا.
ناصر: ما تقولينه لا يُعقل. وهل نضمن أن نجدها أو أن تكون حتى ما زالت على قيد الحياة؟
ولاء: ثم أنك سمعتِ عبد التواب نفسه يقول إنها حصلت على نقود مقابل التنازل. بحثت عن مصلحتها ولم تهتم بمصلحة أي جار آخر.
ناصر: بالتأكيد وهذا ما يجب أن نفعله نحن أيضا.
غادة: إذن ماذا تقترح أن نفعل؟
ناصر: نفاوض عبد التواب على أعلى سعر يدفعه كي نخلي له الشقة دون مشاكل. وبهذا المبلغ ندبر أمر الممرضة.
إسلام: تمرجية…
سوسن: ماما بحاجة إلى ممرضة متخصصة.
إسلام: بل هي بحاجة إلى امرأة أمينة وقنوعة لمساعدتها في الشؤون اليومية وحسب.
غادة: سوسن على حق يا إسلام. نحن بحاجة إلى واحدة متعلمة.
ناصر: بل كلام أخي صحيح.
سوسن: كل هذه تفاصيل. المهم أن نجد حلًا يريح أمنا.
الأم: راحتي هي أن ألحق بوالدكم.
الجميع: بعد الشر عليك!
الأم: هل انتهيتم من النقاش والنقار؟ أنتم تضيعون الوقت لا أكثر. عبد التواب حصل على حكم ضدي في غفلة منكم. والآن تريدون حلًا يدفع إلى المزيد من الخسارة. يا خسارة!
(يطأطأ الجميع رؤوسهم. يُسدل الستار.)
Facebook Comments