وآنا خارج من بيتي شفت قطة بدّاري وِلَادها عشان دول عمال بتاع البلدية بينظفوا الحي عشان شهر رمضان الكريم. بس حزّ في نفسي أوي المشهد بتاع القطة وولادها. يا سلام عليها، هي بدّاري ولادها بكل ما تقدر. يا سلام.. ونزلت تحت، وأنا ماشي معدّي في الشارع، شفت عربية بتعدّي بسرعة كبيرة أوي، ورحت بقول “أستر يا ربّ”، وفجأة سمعت صوت ضربة قوية باتجاه العربية إياها. قلت في نفسي “يلا، العربيات كتير وكل مرة بنشوف حادث ينسينا في التاني”. وأنا بفكّر في الصوت العمّال بيضرب ويزنّ في وداني وقلبي كمان، لمحِتْ عيني نسوان ورجالة بيلفّوا حوالين العربية، وجريت حاسس إنه حادث ما حصلش. وأنا بجري كنت أتمنى كل خير، لكن لما وصلت شفت الناس بدّاري الشاب اللي كان بيسوق العربية، ورحت باصص عالرصيف وفجأة هُمّا طفلين مرميين. كنت عاوز أركّز، مقدرتش عشان في دم وضرر كبير للولد والبنت. إيه ده؟ إيه ده؟ عشان بيسعد نفسه ويسوق بالطريق زي ما هو عاوز، يخلي ناس تانية بتبكي ومتألمة. إيه ده؟ إيه الظلم ده؟
في ناس هناك ابتدأت تروّح وتمشي من مكان الحادث، وناس ثانية بدّاري الشاب بتاع العربية، وفي ناس منهم أنا، راحوا مدّيئين أوي وبيفكّروا في المرميين دول إيه حيحصلّهم. وقبل ما ييجي البوليس بشوية قلت في نفسي خليني أمشي عشان أوصل واشتري عيش من ملحج إبراهيم قبل ما يفوت ويعدي النهار. بس مقدرتش. وأنا كده بفكر، شفت حاجة غريبة أوي أوي. الشاب بتاع العربية راح بيدّي فلوس لربعة ولا خمسة رجالة، وفهمت منه إنه عاوز يهرب. قلت في نفسي إزاي؟ إزاي الدم أصبح رخيص للدرجة دي؟ لا، مش ممكن. سمعت واحد منهم بيقول: “الولدين هم الغلطانين، والشاب ده خلو سبيله”، وراح الشاب راكب وماشي قدام اللي عايز واللي مش عايز. قلت “نشرب من البحر بقا”. ورحت باصص للبنت والولد المرميين هناك عالرصيف. رحت أنا والحاضرين ندّور على حياة في المرميين دول، ولا نسمة أمل. همّ ميّتين.
قال راجل بيظهر عليه خوف ربنا: “الولدين ماتوا، والله ماتوا، لا حول ولا قوة إلا بالله”، وراح بيضرب حاله وبيقول: “هي الدنيا حصل فيها إيه يا ناس؟”، وراح معدّي الشارع، وبقيت خايف عليه هو الآخر. ورحت بقول له: “يا وَلْدي، الحي أبقى من الميت، خلي بالك من نفسك، خلي بالك من نفسك”، التفت لي وقال: “لا يابني، الحياة مش كده أبدًا. الحياة مش كده أبدًا”، وفجأة جات الإسعاف وجم بتاع البوليس. ورحت أنا بحطّ النُّقط على الحروف. المرميين دول حيحصل إيه لأهلهم؟ وبتاع العربية حيحصل له إيه؟ وربنا فين؟ والشيخ الجليل مصيره إيه؟ بقيت خايف عليه كمان. والبوليس حيعمل إيه بعدين؟ والناس… واللي خدوا الفلوس إياها؟ وآنا، ذنوبي هعمل إيه؟ أنا عطشت أوي. عايز أشرب. عايز أروّح. إيه اللي مخرجني من البيت؟ أنا عطشان.
قمت من النوم وأنا بصرخ وأقول: “الولدين، العربية، الدم. الراجل الكبير. الدم، الدم!!!؟؟؟ أنا عطشان، يا مّه، عطشان، يا مّه…” ورحت ماشي للمية وأنا كأني كنت في حرب. آه كأني كنت في حرب والله. “الحمد لله، أنا كنت بحلم. الحمد لله. الحمد لله”.
Facebook Comments