
ومضات قصصية لمجموعة من المبدعين
حكايات المدينة
الشغف بقلم عبادة عشيبة
( 1 )
مهموماً يفتشُ عن بضع من عملات في جيبه ، بكبشة كفٍ منهكة يرمي بها فوق منضدة خشبية مشققة السطح ، يعدَّها متفحصاً ، يخفقُ قلبُه مرتاباً ، تتملكه عتمةٌ.
ويفتشُ عمقَ الذاكرة عن آخر مرة عرج فيها إلى اشباع رغبة لطفله ، لما لم يهتد احتضنه ، يقبل رأسه حانياً مأسوفاً، موجوعاً كتم نداءً كان قد شرعَ فيه على زوجه المتعبة بعدما أوصته ألا يتغاضى عن شراء قدرَ من طعام، انشق قلبه خضة ووجعاً من وقع التمني غير المستطاع تنفيذه بالمرة.
( 2 )
بينما كان غارقاً عمق ظلمات ممتدة تغشى عينيه فإذ بشغف مغاير يطفو على مخيلته رويداً رويداً، يرسم داخلها مشهداً، تطيب به نفسه، ينشرحُ له صدره، يرحّبُ به أيما ترحيب، يتعشَّقُ معه.
وينتفضُ له، يَفِزُّ من مرقده المرتمي عليه جسده المحبط، يتحدى أمواج طاقة سلبية تتسارع إليه، تُلاطمه، تأخذه غير رحيمة إلى لا طوق نجاة من غرق حتمي عمق بحر من يأس قاتل.
( 3 )
مهرولاً ينقله الشغفُ إلى ساحة رحبة كأنَّه ألفها ، يرى رأي العين الناسَ من حوله تسير، يقينيه أنَّ عيونهم في لا شيء تنظر، وأن عقولهم هي الأخرى غرقت في تدبير أمورهم ، ودليله أنَّه الآن على راحته، ينكفئ على أرض في لا وزن، لا يستشعر وجوده أحد، ولا ينظره أحد، وبيدين مطمئنتين، وبقلب يخفق مسرةً، يلملم تمنيات، تتوالد تباعاً من بطن الأرض، تطفو، تملأ عينيه ببريق راق له حاله.
سيمفونية بقلم صباح محمد
لأول مرة يهزمها شئ وهى التى تحملت أوجاعًا، ومشت فى طريق مظلم لوحدها. كانت دائمًا تقول إن قلبها شجاع، وإنها ستتخطى لوحدها كل الحزن، وإنها ستغرس زهرة السعادة فى أرضها الجرداء، وكان مصدر سعادتها آلة عود أمتلكتها من جدها؛ فجدها أيضًا كان شجاعًا، وكانت هوايته العزف على العود، والغناء بصوت مرتفع فكان يعبر عن أحزانه بالموسيقى والغناء؛ فقد كان يصب الحزن فى العزف؛ فيصنع سيمفونية تغلف الحياة بطعم الحرية المنشودة من أغلال الحزن. مسكت عود جدها وقررت العزف والغناء؛ لتلقى بأحزانها بعيدًا ؛ فأنقطعت أوتاره واكتشفت بأنها فاقدة للنطق ولا تستطيع الغناء.
طبق الفول بقلم نادية توفيق
حملت طبق الفول الساخن ووضعته على طرابيزة المطبخ. الجرنال فوقها يعود تاريخه إلى أيام الإخوان. ثنت الطرف الذي يبرز صورة “مرسي”. نظرت حولها في غير رضا. الحلل المتسخة متراصة تحت الحوض. لم تجد وقتا لغسلها. الزوج ما زال يدندن بنغمة من تأليفه وهو يحلق ذقنه في صبر بموس أصبح ثالما من ثاني استعمال. احتارت ماذا تأكل لتتمكن من إرضاع الصغير. الفول لا يكفي. وضعت الكنكة الكبيرة على البوتاجاز. ودعت الله أن يسترها مع الأنبوبة كي تكمل الشهر بالتمام والكمال. الحلبة هي المشروب الذي لن يخذلها في إدرار اللبن. خرجت من المطبخ. حملت الصغير الذي ما زال يداعب نعاس الصباح عينيه. أنصتت لبرهة لصوت زوجها. احتضنت الصغير وأخذت تقبل وجنتيه وتقول في سرها،’خمسة وخميسة ما يحسد المال إلا صحابه. ‘صبت كوب الحلبة وجلست بجوار طبق الفول بانتظار زوجها.
فخفخينا بقلم هشام البراوي
أدار (حازم) محرك سيارته الفارهة، بعد أن وضع حقيبته التي تحوي جهاز الحاسوب الخاص به على الكرسي المجاور، ثم سار متجهاً إلى مكتبه الذي يدير منه مجموعة شركاته، جلس على كرسيه وبدأ متابعة حركات الأسهم في البورصات العالمية، واسعار العملات والذهب، وأسواق العقارات، ثم ذاب خياله في ازهار الحديقة التي تطل عليها نافذة مكتبه، يحلم بنجله ذو السبعة أعوام وهو يقف مرتديا زي التخرج من إحدى الجامعات الأمريكية ممسكاً بشهادته.
انتفض جسده عندما سمع أحدهم يصرخ في وجهه
– ياعم بقالي ساعة بقولك اتنين قصب في كيس وواحد فخفخينا، أنت أطرش ؟ فين صاحب المحل دا؟
ـ اؤمر يا باشا، خير.
هكذا رد صاحب العمل.
– يا عم لما تشغلوا كاشير ابقوا هاتوا واحد بيسمع ومركز مع الزبائن.
– لا مؤاخذة يا باشا، شوف يا بني طلبات الزبون وشوفلك حل في سرحانك الكتير دا.
ليرد (حازم)
– حاضر يا حاج (علي)، معلش آخر مرة.
الكلمة فين يا عالم بقلم يوسف المبروكي
شوف الراجل عامل ازاي، بشوف لتحت قوي قوي كأنّو مضيع حاجة وحتى عينيه مغمضين شوية. وهو بيمشي بطّريق كأنّو بيكلّم نفسو. إيوا بيكلم نفسو: “والله ولا تاكسي ولا أوتوبيس بيوقف هنا.” وقف ييجي نص ساعة وراح يكلم نفسو ثاني “أنا أرجع أنام أحسن. وصَحبي يشرب ملبحر… أشوفو بعد بكرة أو بعدو.اذا حبّ ربنا.” سكت شوية وقال بشويش لأنو لمح اثنين ستّات بالقرب منو: “ولا أوتوبيس ولا تاكسي، آخ لو كنت أملك شويه فلوس أشتري ثلاث أوتوبيسات وثلاث نقل نص نص… وأخلي الناس تركب وتروح وتيجي من غير ميتعطّلو زي مانا متعطّل دلواكيت… وأنا أشتري موتوسيكل عشان أحس بالحرية وأروح زي مانا عاوز.”
الراجل زعل وراح راجع لبيتو وعينيه زي ما هي كأنها مغمّضة وبيمشي متردد. فجأة وقف وقال : “وكلمتي للراجل لمستنيني” ضحك ضحكة صفرا راح راجع ثاني بس اشترط على نفسو “أنا حستنى ساعة بلكتير وبس.” فاتت ربع ساعة. فاتت نص ساعة ومفيش أوتوبيس ولا تاكسي.” الراجل مبقاش في سنتو راح بيقول طز فكلمتي. أنا لوحدي شادد في كلمتي ورقبتي والكلام البتاع ده…” الراجل زعل قوي قوي وراح مروّح لبيتو، وهو بيقول في قرارة نفسو هي الأتوبيس فين كلمتها ووووهلّا هلّا علكلمة. الزمن ده صعب قوي قوي.” وهو راجع قدام بيتو بالتمام شاف اثنين بيتعاركو وحدّ فيهم بيقول فين كلمتك يا راجل يا بو شنب؟ رجعلي السبعين جنيه! أنت معندكش كلمه خالص.” وبعد ماصالحهم على بعض، راح راجع ثاني عشان يمشي لصاحبو وهو بيضحك وعينيه بالطريق يردد “سبحان الله. سبحان الله.”
Facebook Comments