هل هناك أهمية لكل تلك المجموعات والمنتديات والمجلات التي تعنى بنشر الإنتاج الأدبي على كافة أنواعه، خاصة الشعر والخاطرة والقصة القصيرة على الفيسبوك؟ الإجابة المختصرة: نعم، هناك أهمية بالغة لذلك لعدة أسباب سأشرحها فيما يلي:
السبب الأول، والأهم، هو أن التعبير الأدبي مهما كان مستواه هو من الابتكارات الفكرية للعقل البشري التي يستطيع من خلالها أن يحلق خارج حدود الواقع، بل خارج حدود الزمان والمكان. وعقلنا مبرمج خلال قرون تطوره على أن يتغذى على الخيال وأن ينتج الخيال كذلك، لذلك فإن إتاحة الفرصة أمام الناس بشكل ديمقراطي ليس فيه حدود جغرافية أو موانع أكاديمية أو أي قيود خاصة بالسن أو الحالة الاجتماعية أو الوظيفة أو النوع، طبعاً في إطار القواعد التي تخص بها كل منصة نفسها، هو أمر يدخل في مصلحة العقل عموماً.
السبب الثاني الذي لا يقل أهمية عن السبب الأول، هو أن هذا الحراك الفكري يلغي الحواجز بين أفراد المجتمع الأدبي، ويجعل من الممكن تبادل المعرفة والخبرات وعلى رأسها المعرفة والخبرة النقدية، وبذلك يستطيع الأفراد تنمية مواهبهم وممارسة هوايتهم أو احتراف مهنة الأدب والتمكن من أدواتها.
السبب الثالث هو أن هذا الحراك في أغلب الأحيان ليس ذا تكلفة عالية؛ أي أنه، عكس المؤسسات التي تتحرك بثقل وتحتاج إلى ميزانيات وإلى خطوات بيروقراطية، فإن أي مجموعة تستطيع أن تنشئ مجموعة على فيسبوك كما فعلت أنا، وتتفاعل مع الجمهور المستهدف دون الحاجة إلى نفقات كبيرة أو أيدٍ عاملة. كما أن المهارات التقنية متاحة للكافة، يمكن لهم إدارة مجموعاتهم ومنتدياتهم ومنصاتهم بعدد محدود من الأفراد، وبناءً على قواعد وشروط معدة سلفاً من خلال البنية الأساسية التي توفرها منصة فيسبوك.
السبب الرابع لأهمية تلك الكيانات هو أنها توفر ملاذاً آمناً إذا تم الاعتناء بها وإدارتها بشكل سليم للتعبير الحر من خلال الشعر والنثر، ويجعل من الممكن أمام المهمشين أو الذين يمرون بظروف عصيبة أن يعبروا عن أنفسهم في شكل أدبي كما يشاؤون، وألا تندفن مواهبهم معهم أو يكتبون في دفاتر يصيبها النسيان.
وهذا يقودني إلى السبب الخامس، ألا وهو الأرشفة. هذه المجموعات والمنتديات هي كنز معرفي أدبي ضخم ربما لا ندرك أهميته الآن، لكن أود أن أذكركم أن الفيسبوك منصة تملكها شركة مقرها الولايات المتحدة، ولها كل الحق في التحكم في المنصة بما فيها إلغاء وجودها بين عشية وضحاها. ولقد عرف الإنترنت كثيراً من هذه الحالات التي تختفي فيها منصة كبيرة فجأة، وبطبيعة الحال دون استشارة المستخدمين، فعلينا أن نعرف أن الفيسبوك ليس ملكاً لنا، وأن ما نضعه عليه يصبح ملكاً له بشروط حقوق الملكية التي يضعها الفيسبوك. لذا، يجب على أصحاب المنتديات والمجموعات أن يحتفظوا بنسخة احتياطية لأرشيف مجموعاتهم، وهذا الكنز المعرفي سيكون له فصل في كتاب تاريخ الأدب المكتوب باللغة العربية في القرن الواحد والعشرين.
أخيراً، أود أن أقدم احترامي وتقديري لكل من يبذل جهداً في سبيل تنمية الأدب المكتوب بالعربية، ويبذل جهداً تطوعياً لإتاحة مساحة للمبدعين كي يقدموا إبداعاتهم. كما أنه من الممكن دائماً أن تُنتَج الكتب من خلال مجموع المساهمات التي يقوم بها الأدباء، وأن هذه الكتب التي يطلقون عليها الكتب المجمعة، وهي في اللغات الأخرى anthologies، هي كتب مفيدة وكاشفة لحالة الأدب في منطقة ما وزمان ما. والميزة الكبرى التي تتوفر لمثل هذه الكتب، والتي لم تكن لتتوفر لغيرها قبل عصر الإنترنت، هي أنها يمكن أن تجمع بين مجموعة أدباء يعيشون في مناطق متباعدة وينتمون أيضاً إلى مدارس أدبية مختلفة، وبذلك نزيد العالم جمالاً بإبداعاتنا ونشاطنا الفكري.
Image by Firmbee from Pixabay
Facebook Comments