التواصل الجيد كتابةً أو شفاهةً من أهم عوامل نجاح أي عمل. وعلى الأخص في العلاقة بين الكاتب والناشر، سواء أكان دار نشر أو صحيفة أو مجلة أدبية، أو مقدم خدمات نشر في هيئة دار نشر.
يجب استخدام وسائل تواصل متنوعة لتحقيق أهداف المؤسسة التي يمثلها الناشر. كما أنه يجب مراعاة أصول المهنية والجدية في التعامل. والشكوى التي تتردد على ألسنة كثير من الكتاب هي:
تواصلت كثيرا مع دار النشر ولم يردوا علي.
فلماذا يحصل هذا التجاهل من قبل دار النشر؟
١- مبدئيا قد يكون الأمر قصورا في مهارات التعامل. ولكنه يعود، على الأغلب، إلى غياب فلسفة العمل واعتماد طريقة منهجية له تتضمن خطة محددة الأهداف وجدول زمني للتنفيذ.
٢- عشوائية القرارات القصيرة المدى التي لا تضع خطة محددة طوال سريان فترة الاتفاق. من المفهوم أن تنقضي فترة للاتفاق المبدئي بين الناشر والكاتب. لكن بعد الاتفاق النهائي لا بد من الالتزام بجدول زمني مع منح مساحة ما للتعديلات والأمور غير المتوقعة. وهنا يلعب التواصل دورا محوريا. فإن فات الناشر مثلا موعد إرسال الطبعات في الوقت المحدد لمعرض ما للكتاب، فعليه أن يخبر الكاتب بهذا التعديل. أحيانا يحجم الناشر عن التواصل مع الكاتب في حال وجود عقبات خشية أن يتلقى انتقادا أو لوما. لكن علاقات العمل الناجحة تقوم في الأساس على الشفافية.
٣- إغفال الناشر، وربما الكاتب أيضا، لأدوات التعاون المشترك بين الزملاء، أو في حالتنا هذه، بين الناشر والكتاب المتعاقدين معه، وهي أدوات متاحة مجانا ومنها المدفوع وأغلبها متوفر على جوجل ومايكروسوفت. يمكن من خلاله أن يتابع الكاتب مبيعات كتبه وطريقة توزيعها. كما يمكنه التعاون مع المحرر ومصمم الغلاف إذا كان ذلك متاحا. وهذه الأدوات تتيح لأكثر من شخص أن يطلع على ملفات معينة في أي وقت دون الحاجة إلى تضييع الوقت في المراسلات وتبادل أنصاف الجمل والمكالمات المفقودة!
٤- اعتقاد بعض الناشرين أنهم أصحاب أعمال وأن الكتاب مستخدمين لديهم. حقيقة الأمر هو أن علاقة الناشر والكاتب هي من أكثر العلاقات تكافؤا فيما أرى في عالمنا اليوم. صحيح أن الناشر يستثمر جزءً من رأس ماله في المنتج، أي الكتاب، هذا إذا كان من الخمسة الكبار، كما يطلق عليهم في نيويورك، وطبعا أنا أشير إلى دور النشر التي لا تتقاضى أموالا من الكتاب. ولكن دون هذا العمل الإبداعي لا وجود لكتاب للنشر من أصله. ربما يعتقد الناشر أن مهمة الكاتب هينة وسهلة. لكن المبدعين الحقيقيين، سواء كانوا ناشرين أو كتاب، يعلمون أنها ليست مهمة سهلة إن تمت بإتقان وليس سلق بيض. هذه علاقة ذات طبيعة خاصة يشترك فيها الطرفان في المصلحة. فكلاهما يحتاج إلى أن يخرج المنتج في أروع صورة. تماما مثلما كانت العلاقة، مثلا، بين الكاتب الفرنسي الكبير “ألبير كامو” وناشره في “جاليمار” علاقة وطيدة. يقوم الناشر فيها بدعم كاتبه ومتابعة مراحل عمله لأنه يعلم أن هذا المنتج هو نتاج عملية خلق معقدة ومليئة أحيانا بالأشواك، ولأنه يريد مساعدة كاتبه على عبورها بسلام. ولذلك فإن “جاليمار” لعبت دورا محوريا في الأدب الفرنسي من خلال فلسفتها في النشر.
إذن العلاقة بين الناشر والكاتب ليست علاقة بين صاحب عمل وموظف عنده. ولا يجب أن تكون. وعلى الكاتب الوعي بحقوقه المعنوية والمادية، وعدم التردد أو الخجل من المطالبة بها.
وأخيرا، تجربة نشر الكتب تجربة مثيرة ورحلة شيقة فيها ما فيها من الانتصارات وخيبات الأمل كذلك. فإذا كنت كاتبا، لا تتوقف عن الكتابة حتى وإن لم تنشر. وإذا كنت ناشرا، طور من أدواتك وحسن من مستوى أدائك واصنع بوابة اونلاين للتعريف بنشاطك والتعاون مع كتابك وليس فقط مجرد صفحة تملكها ميتا فيرس.
#نادية_توفيق
Facebook Comments