في التاريخ الإنساني عادة ما يخلد اسم العظماء والمجرمين على حد سواء. ودي طبيعة الحياة اللي مفروض فيها توازن بين الخير والشر، أو بنحاول، باعتبارنا كائنات عاقلة، الوصول للتوازن ده. لكن في مواقف بعينها لازم تلزم جانب الخير، مهما قال عنك التاريخ أو ما تتخيل إنه هيكون تاريخ.

امبارح كان فيه مباراة بين كولومبيا وأوروجواي. كولومبيا كسبت واحد صفر. الناس الموجودين في المكان اللي كنت فيه هللوا وفرحوا وقالوا يا ريت تغلب الأرجنتين. وبعدين جت سيرة جول مارادونا!

ودارت مناقشة بيني وبين اللي معايا عن الحق والباطل. ازاي مارادونا قدر يقتنص كاس العالم لبلده من خلال مخالفته لقواعد اللعبة. وللتذكرة ده حصل في نهائي كأس العالم لكرة القدم عام 1986. في الدقايق الأخيرة من الماتش بين الأرجنتين وإنجلترا دخل مارادونا الجول بايده الشمال، والحكم حسبها وبكدة فازت الأرجنتين سنتها بكاس العالم. وفيما بعد قال مارادونا عن الجول إنه اللي دخلته كانت “يد الله”.

السؤال هنا، إن هذا الجول بالفعل غير قانوني، وإن مارادونا ارتكب مخالفة (شر) بس نتج عنه فوز دولته بكاس هو قمة التقدير في اللعبة دي (خير). والفوز ده له نتائج إيجابية أخرى مباشرة  وغير مباشرة في محافل غير المحافل الرياضية زي السياحية مثلا. فهل نقبل الشر لأن له نتايج خيرة؟

النهاردة فيه سؤال أمام مصر بتواجه فيه معضلة شبه دي بس على مستوى أكثر خطورة. وهو مشاركة لاعبة اسمها “شهد سعيد” في الألعاب الأولمبية في باريس ضمن فريق سباق الدراجات. اللاعبة تسببت في إيذاء زميلة لها عمدا، وهي اللاعبة الناشئة “جنة عليوة”، كما يتضح من فيديو مصور، أثناء المرحلة النهائية من سباق بطولة الجمهورية في السويس. دخلت فيها بالعجلة ووقعتها وسابتها وانطلقت عشان تفوز بالسباق. يعني تعمدت توقعها عشان تعطلها وتضمن هي الفوز بالسباق.

بالتأكيد تصرف في منتهى السوء والرعونة، وكانت نتيجته إصابة “جنة عليوة” بكسر في الكتف، وكدمات وفقدان مؤقت للذاكرة. وتم إيقاف اللاعبة “شهد سعيد” لمدة سنة وتوقيع غرامة عليها. ويقال إن قانون اللعبة بيقول إنها لازم تستبعد مش تتوقف بس. عموما، الخشونة وتعمد الإيذاء موجود في كل الرياضات وعشان كدة فيه قوانين موضوعة لمواجهته. امبارح أثناء الماتش، الحكم طلع كارت أصفر وكارت أحمر بسبب خطأين حصلوا. الكارت الأحمركان للاعب دخل برجله في اللاعب المنافس وهو على وشك إنه يشوط الكورة. واللاعب المنافس وقع على الأرض وكان متألم من الخبطة.

رغم الفرق بين طبيعة سباق الدراجات ولعبة كرة القدم إلا إن الإصابات المتعمدة ممكن تحصل في اللعبتين. طبيعة لعبة كرة القدم نفسها فيها التحام وتقارب بين اللاعبين. وتعمد الإيذاء بيحصل كتير، يعني لاعب يقصد إنه يعمل إصابة للاعب تاني منافس، بقصد إخراجه من الملعب. في سباق الدراجات ممكن يحصل فيه حوادث غير مقصودة خصوصا بسبب الظروف الجوية أو حالة طريق السباق مثلا أو إن اللاعب يفقد السيطرة على الدراجة بسبب السرعة أو حصول مشكلة ميكانيكية. لكن كمان ممكن تعمد الإيذاء فيه كما في حالة “شهد سعيد”. فيديو السباق بيوضح إنها تعمدت الدخول في دراجة زميلتها ودهستها وكملت السبق. هل ده شائع في سباقات الدراجات؟ معرفش، ربما.

السؤال النهاردة هو هل ما فعلته “شهد سعيد” (شر) يستوجب إن مصر ترفض اشتراكها في الألعاب الأولمبية في باريس اللي ممكن يجيب لنا ميدالية (خير)؟

في الرياضة بيتكلموا عن الروح الرياضية كتير. لكن في عالم الاحتراف في الغالب الصوت الأعلى بيكون للفوز، للميدالية، للترتيب. المواقف النبيلة في الرياضة بتعمل علامة فارقة في تاريخ أصحابها وبيدخلوا التاريخ من باب (العظماء) زي اللاعب المصري “محمد رشوان” اللي كان بيلعب في نهائي الجودو في الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس عام 1984 قدام بطل العالم في الجودو الياباني، ياسوهيرو ياماشيتا، يعني منافس قوي، واللي كان مصاب في رجله أثناء تدريبه على المباراة دي. “رشوان” تجنب استخدام إصابة اللاعب (خير) عشان يفوز في البطولة (خير). رغم إنه لو كان عمل ده مكانش حد هيلومه، بل إن مدربه ألح عليه إنه يستغل نقطة ضعف خصمه دي. وأفتكر إنه من فلسفة اللعبة نفسها استغلال نقط ضعف المنافس. لكن “رشوان” فضل خسارة البطولة اللي جايز مش هتتكرر في حياته تاني (شر) على إنه يعمل تصرف يؤذي بيه إنسان تاني. وهو فعلا خسر البطولة، لكن كسب احترام العالم كله.

ودلوقت تعالوا نعد مكاسب محمد رشوان اللي نالها بتصرفه النبيل ده:
جائزة اللعب النظيف عام 1985
جائزة أحسن خلق رياضي في العالم من اللجنة الأوليمبية الدولية للعدل في فرنسا
تكريم من الرئيس محمد حسنى مبارك
وسام “الشمس المشرقة” من اتحاد الجودو في اليابان، واللي يعد من أهم الأوسمة اليابانية
جائزة «بيار دي كوبرتان» باعث الألعاب الأولمبية الحديثة الدولية عام 1984
شهادة امتياز خاصة لأحسن خلق رياضي لعام 1984
جاء ضمن أفضل ستة لاعبين في العالم عام 1984
اختارته مجلة «الإيكيب» الرياضية الفرنسية كثاني أحسن رياضي في العالم في الخلق الرياضي.

وطبعا مشوار رضوان بعد كدة استمر من نجاح إلى نجاح، وحصد فيه عدد كبير من البطولات والميداليات. وبكدة نقدر نشوف الفرق البين والواضح بين اللي بيدخلوا التاريخ من باب العظماء واللي بيدخلوه من باب المجرمين. وفيه باب تالت رمادي يثير الجدل ما بين كون صاحبه عظيم ولا مجرم. واختياراتنا في الحياة بتحدد مصيرنا. وده يشمل اختيارنا الجمعي كمان. زي قرار إرسال لاعب، مرتكب لمخالفة تعمد فيها إيذاء لاعب منافس، للمشاركة باسم مصر في حدث رياضي عالمي بحجم الأولمبياد.

فهل احنا نفسنا في ميدالية بأي تمن، ولا الروح الرياضية هي الأهم؟

Facebook Comments