
أود في عجالة توضيح أهمية عمل ملخص مختصر وآخر طويل لأي رواية أو كتاب. باديء ذي بدء، نحن لن نعيد إنتاج العجلة. فعبر قرون طويلة من النشر في العالم، منذ اختراع المطبعة، أصبحت هناك تقاليد راسخة لصناعة الكتاب. وهي بالطبع تتطور حسب تطور أدوات النشر وطبيعة القراء واحتياجات السوق. لكنها معايير أساسية للوصول إلى منتج قادر على المنافسة أو، على الأقل، اجتذاب القاريء. قد لا يكون الكاتب مضطرا إلى أن يكتسب كل المهارات التي تتطلبها عملية النشر، لكن عليه الوعي بها وفهم طبيعتها.
أبدأ بالملخص الطويل أو la quatrième أو book blurb
هذا هو الملخص الذي يطبع على الغلاف الخلفي للكتاب. وعادة ما يضاف إليه صورة للكاتب مع سيرة قصيرة له. وأحيانا يحوي ما يسمى
Editorial review
وهو اقتباس من مقال منشور في صحيفة أو مجلة أو غيرها حول الكتاب. فإذا كان هناك ناقد، مثلا، في New York Times قد تحدث عن الكتاب. يقوم الناشر بإضافة اقتباس من ذلك المقال على سبيل تدعيم قيمة الكتاب وحث القاريء على قراءته.
هذا الملخص هو جزء أصيل وحيوي في عملية نشر أي كتاب. جهل الكتاب والناشرين به لا يعفيهم من المسؤولية. وقد لاحظت كثيرا الفقر الواضح والخلل الكبير في هذا الغلاف الخلفي لكتب لا أول لها ولا آخر منشورة بالعربية.
ولتبيان أهمية الغلاف الخلفي، وهو أمر ليس خاضعا للرأي الشخصي للكاتب إلا إذا كان غير مهتم بتعريف كتابه للقراء المحتملين، أسرد هنا أمثلة لبعض الكتب بالفرنسية التي تطرقت إلى فن الكتابة والنشر ومعاييره الأساسية وكما ترون أحد مؤسسي الرواية الجديدة “آلان روب جرييه”، والكاتب الكبير “جارسيا ماركيز” من بين مؤلفي هذه الكتب:
1. “Pour une théorie de la production littéraire” par Pierre Macherey (1966)
2. “L’art du roman” par Milan Kundera (1986)
3. “Pour un nouveau roman” par Alain Robbe-Grillet (1963)
4. “Le métier de romancier” par Gabriel García Márquez (1981)
5. “L’Aventure du livre : Du manuscrit à l’édition” par Jean Giono (1947)
ما الهدف من ملخص الغلاف الخلفي؟
إنه ببساطة بطاقة تعريفية للكتاب. هل رأيت منتجا في أي صناعة حديثة لا يحتوي على وصف للمنتج ومكوناته وطبيعته وطرق استعماله أو تشغيله إلخ؟ كلما زادت أهمية المنتج وتعقدت طبيعته كلما زادت وتعقدت أهمية وصفه.
الهدف ليس تكثيف الكتاب في كبسولة تغني عن قراءته، على العكس تماما. الهدف هو تحفيز وتشويق القاريء لقراءته. لذا فهناك قواعد مرعية يتدرب عليها متخصصون في تلك الكتابة التي تسمى بـ
Copywriting
والتي تضمن لأصحابها دخلا قد يصل إلى ١٠٠ ألف دولار سنويا إن برعوا في هذا الفن. بمعنى أن الملخص المكتوب باحترافية يتطلب تدريبا على ذلك الفن من الكتابة التي تختلف عن الكتابة الإبداعية. وطوبى للكتاب البارعين في كليهما. 😊
باختصار يجب أن يحتوي هذا المخلص على ما يلي: نوع النص من رواية أو قصة قصيرة أو سواها، الجنس الأدبي للعمل مثل الرعب أو الخيال العلمي أو الرواية التاريخية إلخ، وصف للحبكة أو للصراع الأساسي في العمل، وعرض للشخصيات الرئيسية، وأخيرا فتح المجال أمام القارئ لاستكشاف الكتاب عن طريق طرح أسئلة أو إضافة جمل مشوقة حول الأحداث والرواية.
هذا بالطبع وصف كروكي لأن كتابة ملخص جيد من أكثر تمارين الكتابة صعوبة. وهو يجب أن ينقل صوت الكتاب إلى القاريء ويبين له الأسباب التي قد تدعوه للاهتمام بموضوع هذا الكتاب لدرجة تخصيص وقت وصرف جهد ومال من أجل قراءته.
الملخص الآخر المختصر اسمه
The elevator pitch
وهو ملخص قصير جدا للكتاب يبرز أهم ما فيه في فترة زمنية لا تتعدى فترة ركوب المصعد ما بين عدة طوابق ولهذا فقد سمي بذلك الاسم.
وهناك مؤتمرات تعقد في كندا والولايات المتحدة حيث يحضر عدد من الناشرين ووكلاء النشر ويخصصون ساعة أو نصف ساعة للكتاب الجدد من أجل عرض أعمالهم من خلال هذا الملخص المختصر. ويحصل كل كاتب على فرصة خمس دقائق أو أقل لتقديم نفسه وتقديم كتابه.
من سنوات، كانت هناك كاتبة تشارك معنا في إحدى مجموعات الكتابة التي انضممت إليها ودفعت رسوم الاشتراك في إحدى تلك المؤتمرات من أجل تقديم كتابها أمام إحدى وكيلات النشر. وساعدناها في تحرير وضبط نسخة الملخص خلال بعض اجتماعاتنا معا.
في النهاية، يقال إن الكاتب الذي لا يستطيع أن يجيب على سؤال أحدهم “أحقا ألفت كتابا؟ عن ماذا يتكلم كتابك؟” بطلاقة ووضوح هو كاتب يفقتر إلى إحدى مهارات حرفة الكتابة. وأنا أتفق في هذا تماما. فلا يمكن أن يكون قلبك على كتبك ولا تعرف كيف تقدمها إلى الناس!
كما أن على الكتاب أن يثقفوا أنفسهم فيما يتعلق بصناعة الكتب قدر الإمكان حتى يفهموا كيف تتم عملية النشر ويتمكنوا من إتخاذ القرارات الصحيحة لنشر كتبهم.
#نادية_توفيق
Facebook Comments