استفحلت مؤخراً ظاهرة في الشارع المصري وهي تسمية المحال التجارية بأسماء لا تمت إلى مصر بصلة. وهذه الأسماء ترتبط ارتباطاً عضوياً بوجود ملايين من اللاجئين الذين يمارسون الأعمال التجارية على أرض مصر وينافسون المصريين في رزقهم الذي أصبح شحيحاً بسبب وجود هذه الأعداد من اللاجئين.

لكن المشكلة التي أود طرحها اليوم تتعلق بالثقافة المصرية التي هي أحد مفردات الهوية المصرية. فكثرة انتشار أسماء مثل الحلبي والشامي واليمني والسوداني قد تجوز في الظروف العادية التي تجعل نسبة وجودها ضمن الحدود الدنيا. أما وقد امتلأت شوارع مصر بمحال تحمل أسماء مثل:
ست الشام، باب الحارة، دمشق الصغيرة، ابن سوريا، عروس دمشق، أسواق ركن السودان، مطعم السودان، المأكولات اليمنية، مطعم أبناء السودان، المطعم السوداني الحديث، وهي كلها أسماء تنتمي إلى ثقافات غير الثقافة المصرية، فإن ذلك يؤثر بصرياً ونفسياً على الوجدان المصري، ويتسبب في فصم عرى الارتباط بين المصري والمنطقة التي يعيش فيها.

بل إن للأسماء قيمة تاريخية تكرسها في أذهان الأجيال المتعاقبة مثل اسم “جزيرة الورد” الذي يطلق على مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية تيمناً باسمها القديم قبل أن تتحول إلى المنصورة بعد انتصارها على الحملة الصليبية، ومثل “أرض الفيروز” الذي يطلق على سيناء إشارة إلى ثروتها من المعادن، و”التكية المصرية” التي كانت مكان انطلاق المحمل قديماً، و”قهوة الفيشاوي” الشاهدة على عصور الفن والإبداع المصريين، و”خان الخليلي” الذي يحمل اسم الأمير المملوكي الذي أصدر أمر إنشائه. عدا تاريخ مصر الموغل في القدم والذي يجعل منا أقدم أمة عرفتها البشرية.

لا يخفى عليكم أن كثيراً من المصريين قد أصبح يشعر بالغربة في بلده بل أصبح يُعامل كالضيف أحياناً، وقد صارت هناك مناطق بأكملها تكاد تخلو من المصريين. وظاهرة إطلاق الأسماء غير المصرية على المحال التجارية تعمق من ذلك الإحساس بالغربة. وليس من المستغرب أن تحافظ الأمم على إرثها الثقافي المرتبط أساساً بجغرافية المكان. والمصري المرتبط دائماً وأبداً بأرضه يتأثر بشكل الشارع الذي يعيش فيه، ويحمل ذكريات المكان في قلبه عبر مشوار حياته.

إن من الواجب علينا الحفاظ على هذا الارتباط بكل الطرق الممكنة، ومن بين تلك الطرق التشريعات المنظمة للأسماء التجارية بحيث يُمنع إطلاق أسماء لا علاقة لها بالحي والمدينة المصرية الذي يفتح فيه اللاجئ مشروعه. وإذا لم يكن من الممكن حل مشكلة اللاجئين حلاً مستداماً اليوم، فعلى الأقل يمكننا اتخاذ الاجراءات اللازمة عن طريق إضافة مادة إلى قانون الأسماء التجارية رقم 55 الصادر عام 1951. هذه المادة يمكن أن تنص على منع إطلاق أسماء تعبر عن أماكن أخرى غير مصر أو بأي صيغة قانونية ترتئيها الوزارات المعنية.

إن هوية الأمة المصرية هي هوية راسخة في عمق التاريخ والجغرافيا، وواجبنا أن نحافظ عليها ونقويها وندعمها من أجل مستقبل الأجيال القادمة.

الصورة من تويتر.

Facebook Comments