
“غادة السمان” تتوعد بنشر خطابات نزار قباني لها. هكذا يراها البعض، محاولة للنيل من شخص مشهور لم يعد بمقدوره التراجع عما قال في لحظة تجلي أو لحظة طيش، كيفما تشاؤون. وانبرى البعض بالدفاع عن خصوصية نزار وتوجيه أصابع الاتهام للمعشوقة التي لا يغفرون لها أنها وضعت مبدعاً آخر مشهوراً على مذبح الرسائل الغرامية فيما قبل، وهو “غسان كنفاني”.
بدايةً، يستكثرون على “غادة السمان” حب هؤلاء المشاهير ويعتبرونه تمسحاً منها، بعد فوات الأوان، في أسمائهم الكبيرة ومحاولة للتعويض عن نقص ما.
يصعب علينا، إذا لم نكن شهود عيان، أن نحيط بالحقيقة كاملة. وليس أمامنا، إن رغبنا، سوى تحليل النصوص والبحث بين طيات المقابلات الصحفية وجمع شهادات المعاصرين للوصول إلى ما يشبه الحقيقة عن طبيعة العلاقات التي ربطت بين الكاتبة وبين من عشقها من كتاب وشعراء. ولكن ليس من العجيب ولا الفريد أن تحظى امرأة واحدة بحب وإعجاب كثير من الرجال في حياتها، والذي قد يُصادف، لطبيعة مشوارها ومشوارهم، أن تكون هي وهم من المشاهير. بل إن العشق قد يكون فعلاً من طرف واحد. وغالبا المبدع الرجل يكون هو الباحث عن ملهمة، أي يخلق لنفسه كياناً خيالياً يستمد منه نظم كلماته. فالشاعر الفرنسي “ألفريد دو موسيه” قد اتهم “جورج صاند” بالتلاعب به وخيانته بعدما أخلص في عشقها كل الإخلاص، وخطّ أجمل مؤلفاته من وحي هذا العشق الذي لم ينتهِ النهاية المرجوة. فهل أحبته “صاند”؟ وهل تلاعبت به حقاً؟ لا ندري تحديداً، فقصتهما معاً معقدة بحيث لا ندري من عشق من. لكنها تحدثت عنه في كتبها التي قصت فيها حياتها:
Histoire de ma vie, Elle et lui
و”جورج صاند” الكاتبة المشهورة أيضا، كحالة “غادة السمان”، قد عشقها مشاهير عصرها مثل الشاعر “الفرد دو موسيه”، والكاتب “جول ساندو”، والكاتب “شارل ديدييه”، والموسيقار “شوبان”.

طالب البعض “غادة السمان” بنشر رسائلها إلى نزار قباني في نفس الكتاب لإيصال الصورة كاملة. وأوافقهم على ذلك. ففي أدب الرسائل الذي ازدهر في القرون الماضية، ولم يعد موجوداً الآن، إلا في أطر الكتابات التاريخية، لأسباب لا تخفى على أحد، كان الكاتب ينشر مجموع رسائله والرسائل التي تلقاها لرسم لوحة أدبية وفكرية متكاملة. ولابد أن ذلك يعني إما أن الكاتب قد احتفظ بنسخة من رسائله، كما حدث في بعض كتب أدب الرحلات، أو أنه حصل عليها من المرسل إليه فيما بعد.
لذلك فقد تكون الرسائل التي كتبتها “غادة السمان” ليست في حوزتها أو ربما احتفظت بمسودة لتلك الرسائل. بل حتى ربما لم تكتب ردوداً إلى عاشقها تستحق النشر. ربما كتبت له شيئاً من قبيل “وصلني خطابك، شكراً وبانتظار الخطاب القادم”. لا ندري حقاً.
لكن الفيصل هنا هو إرادة “غادة السمان”. فهي لها مطلق الحرية في ألا تنشرها ودون إبداء أسباب. صحيح أن الصورة لن تكون متكاملة وربما استلزمت إضافة تعليقات تفسيرية ما بين كل رسالة وأخرى. لكن هذا هو الفرق بين كتاب تحت عنوان “رسائل نزار قباني إلى غادة السمان” وآخر تحت عنوان “رسائل نزار قباني وغادة السمان”.
السؤال المهم الآن، هل تملك “غادة السمان” حق نشر رسائل “نزار قباني” التي في حوزتها؟
بالتأكيد هي تمتلك الرسائل نفسها، أي الورق الذي كتبت عليه، ويمكنها عمل ما تشاء بها، كأن تحتفظ بها في علبة قطيفة أو تلقي بها في النيران. لكنها لا تملك حق نشر وطبع وتوزيع محتوى تلك الرسائل دون أخذ موافقة ورثة حقوق نشر أعمال “نزار قباني”. ولكن لا أظن أن الأمر بهذه البساطة. فالقوانين قد تختلف في هذه المسألة وقد يطرح المتخصصون آراءهم. وأظن أن دار النشر التي ستتولى نشر هذا الكتاب ستقوم باستشارة قانونية رسمية فيما يتعلق بحقوق النشر.
في النهاية، لا أرى ضرراً من نشر هذه الرسائل اللهم إلا إذا كان لورثة “نزار قباني” رأي آخر. فكثير من الكتاب قرر ذويهم وأصدقائهم تولي تحرير ونشر أعمال لم ترَ النور في حياتهم. والقيام بنشر نصوص ما بعد موت صاحبها أمر حدث مرات كثيرة في كل آداب العالم. فالكاتب والدبلوماسي الفرنسي “بول موران” كان قد أوصى بنشر مذكراته في العام 2000، أي بعد وفاته بحوالي 24 عاماً.
فلنحتفِ بتلك الإضافة إلى المكتبة العربية إن قُدر لها أن ترى النور.
صورة “غادة السمان” من ويكيبيديا.
Facebook Comments