اللي بيحصل في فرنسا إرهاصاته شفتها بنفسي ودلالاته ما يلي:
لا يمكن دمج أجيال متلاحقة في نسيج وطن ليس لهم فيه امتداد تاريخي. هذه الأجيال ستنكفيء حتما على ذاتها وستخلق هوية/هويات مضادة للهوية الوطنية كنوع من مقاومة الذوبان فيها.
الأجيال الأولى من المهاجرين أتت من المستعمرات القديمة. يعني من “زمن الفن الجميل”، أي عاشوا واتربوا في مؤسسات فرنسية النهج والطابع. درسوا وشربوا الثقافة الأم. أسسوا الفرنكفونية ثم عزموا فرنسا تنضم لهم. وجودهم كان شبه طبيعي. القيادة اللي اتخلقت من الجيل ده ماتت أو ضعفت اليوم. لم يعد هناك ما يربط المهاجر الجديد بثقافة المهاجر القديم الوسيطة بين الوطن الأم في الجنوب والوطن الجديد في فرنسا.
فرنسا جمعت بين علمانيتها واتجاه يساري متحالف مع الإسلام السياسي. فنتج عن هذا مسخ سياسي واستقطاب تناحري، بل وتفتيت للأصوات في الانتخابات المختلفة. ويمكننا أن نضرب مثلا بهذا التخبط، حادثة قطع رأس المدرس الفرنسي على يد مراهق مهاجر من الشيشان، ولم يكن حتى طالبا عنده في الفصل. وحادثة اغتصاب وقتل الطفلة “لولا” التي هزت المجتمع بكامله.
تعاظم إحساس الفرنسيين بالخطر على فرنسيتهم وعلى تاريخهم المشترك جعلهم يتوقعون الأسوأ من مجتمع الهجرة. وصاروا ينفخون أحياناً في الزبادي من باب الحذر والحيطة. ولكن هذا لا يعني أن أسباب الخطر غير مشروعة، خصوصا وإن فرنسا مش دولة هفق في التاريخ. دي دولة كانت ثقافتها هي ثقافة النخبة في أوروبا لعقود طويلة.
أحداث الشغب في ٢٠٠٥ كانت فرصة لإصلاح الأخطاء وتأكيد مبادئ الجمهورية. لكن العكس هو اللي حصل. استمرت الحضّانة في تفريخ المزيد من عوامل الشقاق والفرقة. وساعد على ذلك طبيعة الثقافة الفرنسية التي تعتمد على التعبير الحر والمواجهة والمباشرة. وفيها درجة دنيا من درجات الصوابية السياسية، رغم أن تلك الأخيرة منتج فرنسي في الأصل.
فرنسا اليوم في مفترق طرق للمرة التانية والحكاية لم تعد تحتمل الطبطبة ولا العلاج بالميكروكروم. لابد من حسم مسألة الازدواجية في شكل الدولة. ولابد من العودة إلى النظام والقانون مهما كانت التضحيات. المأساة التي أدت إلى أحداث الشغب يمكن أن تحلها المحكمة وحتى الرأي العام أيضا.
Facebook Comments