من أكثر الأشياء المقيدة لحرية التعبير لقمة العيش. أعرف أنكم ستفكرون في القمع السياسي والتأثير الثقافي، لكن، في واقع الأمر، أكثر ما يقيد حرية التعبير هو الخشية من أن تدوس على القدم الخطأ، أن تغضب رؤساءك أو ذوي الحيثية في مجالك، أن تحرم من وظيفتك أو أن يتم التضييق عليك فيها.
لا يستطيع الكاتب أن يتحرر من كل القيود دفعة واحدة، بل أحيانا يتلمس طريق الرضا عنه من خلال مقال يكتبه ويترك فيه أثرا “لعرفانه بالجميل” و”تقديره لولي النعم”. وأحياناً يكون صاحب قلم حر أو حتى قلم مشاغب، فيختبر صبر من يعرف أنهم يمسكون بزمام دخله. وبالطبع هناك الكاتب “المستبيع” الذي لا يهمه عواقب ما يفعل. مثلما كان الحال مع “عبد الرحمن منيف”، الكاتب الذي حرم من جنسيته السعودية بسبب خماسيته “مدن الملح”، لأنه مهما كانت مكانة الكاتب، فهو محاصر بخطوط حمراء تتعلق بوضعه ومكانته ومكانة ما يمثله أدبه في نظر الناس.
إن صورة المبدع المعلق بكلمة من راعيه منذ العصور الوسطى ما زالت موجودة حتى اليوم بأشكال مختلفة. فقد كان لدافنشي راع وهو النبيل “جوليانو دي مديتشي” وعندما توفي هذا الأخير، كان على المبدع العبقري، صاحب السبع صنايع، أن يبحث عن راع آخر، كفيل يعني، فوجد غايته لدى ملك فرنسا “فرانسوا الأول” الذي أغدق عليه العطايا ومنحه فسحة للخلق والابتكار. وكان الحال مماثلا في بلاط الخليفة حيث الشعراء والفنانين يتقربون من الحاكم ومن ذهبه، لا يمكنهم أن يمارسوا صنعة سوى الأدب والفن. وكان لابد من إرضاء الخليفة وندمائه طوال الوقت. وقد استفاد المبدعون من هذا الجو المخملي فتركوا لنا طرائفه ونوادره وحكاياته، وأحياناً مآسيه.
اليوم يستطيع الكاتب أن يتخلى عن قيود الكفالة، ويسير درب الإبداع وحده معتمدا على موهبته وجهده وما تيسر له من أدوات التكنولوجيا والتواصل الحديثة. إلا أن القيود لا تتبخر، فهناك حزمة قيود ترتبط بالمنصات والمواقع التي ينشر عليها الكاتب إبداعاته. وبطبيعة الحال، فهو لن يدور في الفراغ منعزلا عن مجتمع الكتابة وعن قرائه، لذلك فعليه أن يجد توازنا بين رغبته في التعبير الحر وبين إرضاء آخرين تحكمهم في أغلب الأحيان ثقافة التأديب والإصلاح.
#نادية_توفيق
#حريةالتعبير
Facebook Comments