علقت على منشور على الفيسبوك بخصوص أدب محفوظ، ثم دار بيني وبين صاحب المنشور الحوار الآتي:

نادية توفيق: لم أكن أشير بالتحديد إلى محفوظ. نجاحه هو مزيج من مهارات أدبية ومهارات مهنية زائد قنطار حظ. كنت أقصد غيره. أما بالنسبة للغة إدريس فكانت التطور الطبيعي للغة الكتابة التي لابد لها من أن تتطور مع قرائها وكتابها. علاوة على أن الأدب إن لم يتنوع ويتمرد يموت أو يتكلس في شكل جامد. إحسان عبد القدوس كان صحفيا شاطرا وابنا لرائدة من رواد الصحافة المصرية. عدا عن أنه كتب عن موضوعات الترند في ذلك العصر. مع خالص مودتي 🌹

الرد: من المعيب اعتبار المقهى سر نبوغ نجيب محفوظ.. هناك رجال، لا يغادرون المقهى إلا للذهاب إلى بيوتهم للنوم، لكن لم يحصلوا على أية جائزة، لم يكتبوا حرفا واحدا.. الإنجاز الوحيد لهم: تخزين أكبر قدر من المعلومات، الصور و اللقطات بين تلافيف الذاكرة المعطوبة!

نادية توفيق: ليس كل النجاح ناتج لإنجاز أو عمل. بعضه ناتج انتقاء وتعزيز سلطوي.

الرد: بغض النظر عن كل ما يقال عن نجيب محفوظ وعلاقته بحكام مصر، و.. و.. فكل شيء انتهى. لكن صمدت نصوصه. يكفي أنه لم يساير موجة اللغة الثالثة التي كتب بها يوسف إدريس وإحسان عبد القدوس.. لكي يقتربوا من القارىء.
لكنه استمر.. إنه خلود أستاذ الأجيال، الذي كلما أعدنا قراءة كتبه، نتعلم أشياء أخرى، فاتنا إدراكها مع القراءة الأولى.
كل المحبة والتقدير 🌹🌹

استويحت من هذه المساجلة فكرة هذا المقال. فقد أثار نقاشنا القصير لدي سؤالا وهو كيف يتشكل وعينا وكيف تتقولب قناعاتنا.

الإجابة المختصرة هي من خلال السلطة. ببساطة ما نتلقاه ونتلقنه في البيت والمدرسة والشارع. البيت يساوي التربية والعلاقات الأسرية والخبرات المرتبطة بها. المدرسة هي التعليم الممنهج والتعليم القومي وكذلك أشكال التعليم الأخرى من تعليم حر أو تقني أو حرفي. والشارع هو فن الحياة الذي نكتسبه إن انتبهنا من خلال مدرسة الحياة الشاسعة.

هكذا تتشكل أعمدة الوعي لدينا. أغلب الناس لا تحيد عما تلقته من خلال هذه المصادر الثلاثة. بل ولا تناقشها ولا تعرضها للفحص والمقارنة والتمحيص. لكن بعض الناس يختارون السبيل الذي يتميز بقلة سالكيه. وهو طريق العقل الحر. وهو طريق وعر. وعليك أن تبقي ذلك الـ tab مفتوحا طوال الوقت وهو تاب الأسئلة.

أعود إلى إجاباتي الخاصة بالنجاح واللمعان في الأدب. ما نعرفه هو ما يقوله لنا الآخرون. قد نكون آراء خاصة بنا حول هذا الاسم اللامع أو ذاك. على سبيل المثال بدأت أحب اللغة العربية وآدابها بفضل النصوص الشعرية التي كنا ندرسها في المرحلة الإعدادية. وكانت الموضة هي قراءة إحسان عبد القدوس. قرأت له وسرعان ما أدركت زيفا ما في كتاباته. لم أتمكن من تحديد موطنه ولا حتى تفسير ما توصلت إليه. إلا أنني أستثني بعض كتابات له ومنها رواية أظن أنها غير معروفة له بعنوان لا تتركوني هنا وحدي. أظنها الأصدق من بين كل ما كتب. وربما كانت الشهرة والصيت قد وصلا إلى مداهما معه فلم يكترث قلمه وقتها بالتوزيع قدر اكتراثه بإشباع ملكة التعبير والكتابة والإبداع.

برأيي أن النجاح في الأدب مرتبط ارتباطا شرطيا بتوافر ظروف بيئية تدفع بهذا الإنتاج إلى الصدارة. علاوة على ارتباط صناعة الأدب بعد 52 بالسلطة الثقافية المنبثقة عن السلطة السياسية. وربما لن تجد قصة صعود غير مرتبطة بكون الشخص عرف الشخص المناسب في الوقت المناسب. سيكون من السذاجة كذلك أن نفترض أن هؤلاء المشاهير لم تكن مخطوطاتهم تستحق النشر. فشطارة الكاتب في صعود السلم لا تنفي توفر منتج جيد له من خلال كتبه.

عودة إلى وعينا الذي يشكله الآخرون لنا. نحن نولد بأدوات ذاتية قد نستعملها على أكمل وجه وقد نهملها تماما وقد ننتبه إلى بعضها ونهمل بعضها الآخر. الأمر يتوقف على التربية والتوجيه في البيت والمدرسة والبرمجة الإعلامية التي نتعرض لها جميعا. بالنسبة إلى تذوق الأدب، عادة ما نتلقى توجيهات حاسمة بأن تلك الرواية عظيمة وأن ذلك الكاتب أتى بما لم يأتِ به الأوائل. ونسكت الأصوات المعارضة.

علينا فحسب أن نعي كل التأثيرات الخارجية التي تلح علينا بالأفضل والأروع والأكمل. كل أفعل التفضيل هذه أراها مقيدة للاستكشاف فيما يتعلق بالأدب. كم من كتاب صغير مجهول وجدت فيه متعة لم يحققها a best seller. صحيح أن هناك منحى ومنهج لاستكشاف الأدب. مثلا إذا أراد أحدهم الاطلاع على عيون الأدب الفرنسي فسيوصى في الغالب بقراءة فولتير وهوجو وبلزاك وجورج صاند وما إلى ذلك. لكن المهم هنا حقيقة هو أن يستكشف القاريء نفسه من خلال الكتب. يتبع حدسه. يتخير لنفسه. ربما يلتزم بنفس المعايير السائدة أو بالرواج التجاري أو حتى بنصائح الأصدقاء. ففهي نهاية الأمر، القراءة تستلزم نوعا من الالتزام وتكريس الوقت والجهد بل والمال.

ما أود أن نخلص إليه هنا هو الانتباه إلى ما يؤثر على تذوقنا للأدب. والاحتفاظ بعنصر الدهشة والفضول لأنه ما يدفعنا إلى تلمس الطريق إلى الكتاب التالي الذي نود قراءته.

والآن السؤال الذي أحب طرحه عليك. كيف تختار الكتب التي تقرأها؟

Facebook Comments