نشر المقال في جريدة صوت بلادي عدد أغسطس 2022
قصة (حلم نهار أحد) هي قصة من مجموعتها القصصية أجنحة متكسرة الصادرة عن دار (دار كتب لوتس ) عام 2019 .
نحن نبحث عن السراب خارج الوطن عندما نجري وراء الوهم، إن لم تكن هذه الخطة مدروسة جيدًا قبل قرار الرحيل لا تدري كيف تسير بنا الرحلة، لماذا نجازف؟ منا من يحب المغامرة ربما تفشل ربما تنجح وعلينا أن نواجه أقدارنا طالما نحن من اخترنا هذه المخاطرة ولا نندم أبداً وعلينا بذل مجهود مضاعف للنجاح؛ كما يقول: فيكتور هيجو. الحياة صدمة; لما يواجهوا من مخاطر الطبيعة في قصيدة (يا أطفال: حبوا الحقول )
في قصة الكاتبة نادية توفيق ؛ “حلم نهار أحد” تتحدث عن تجربة واقعية لفتاة تحاول الهجرة خارج الأرض والوطن. تقابلها العقبات كانت كثيرة أو قليلة مثل رفض أخيها السماح لها بالسفر. وبالكاد تحصل على تذكرة السفر إلى فرنسا، حيث تبدأ القصة لفتاة جاءت لبلاد المهجر لتدخل وتزور المعالم السياحية في كنيسة الساكر كور; وهي أحد أشهر كنائس باريس بعد كنيسة نوتردام وتقع على تلة في باريس اسمها تلة مونمارتر في الدائرة الثامنة عشر في حي كلينانكور. وتسمى كنيسة القلب الأقدس في مونمارتر. بُنيت في أعقاب حرب.
حددت الكاتبة المكان من أشهر المواقع السياحية الباريسية والتي تتجمع حولها جميع الجنسيات والديانات كلها، من جميع أرجاء العالم فهي دخلت الكنيسة نهار أحد في آخر القداس مع مجموعة من السياح اليابانيين. الكنيسة كانت مزدحمة و الجو حاراً. حددت لنا الكاتبة المكان والزمان بدقة عالية. الجو حار في فصل الصيف، لتصف لنا حالة البطلة المهاجرة دخلت بابتسامة هادئة جميلة للتأمل الشموع. لما نظرت خلف الصورة؛ ظهرت الشخصية المحورية التي سوف تلعب الحبكة في القصة، المجهول الذي ظهر وسوف يطاردها من حين لآخر داخل هذا المشهد القصصي. هي لم تشعر الراحة والسكينة وربما مازالت على تقاليدها الشرقية لا تحب الحديث مع الغرباء أو ربما مازالت تخاف المجهول لقد شعرت بالألفة مع المكان، ولكن لم تشعره مع الحيز الجسماني الغرباء أي البشر. أشاحت له وانصرفت. حالة نفسية واقعية ربما تكون لازمة في حياتها الشخصية.
خرجت من الكنيسة شبه مضطربة. الجو الحار جعلها تشتري المشروبات الغازية من فتاة آسيوية. ثم نجد الطفل الإسباني وجَدَته والرجل الإفريقي، وكأن الكاتبة مبهورة بباريس وتحبها وبلغتها الفرنكوفونية حيث يتجمع خليط من الثقافات من مختلف الجنسيات العالم، وكأن هذه الفتاة ليست وحدها التي تركت بلدها وجاءت لتهاجر إلى باريس. العالم كله محط عيونه باريس، منهم للسياحة كالإسبانيين، ومنهم للعمل كالأفارقه والآسيويين، ومن خلال توضيح الكاتبة لنا الحالة عامة خارج اسوار الكنيسة والزخم الحادث في عملية البيع والشراء وتجسيد صورة حية من خلال وصف العنصريين الزمني والمكاني، وتصور لنا حالة مع السعادة النفسية وهي تشعر بالانطلاق. اشترت مرة اخري زجاجة مياه لتشرب نصفها وتسكب النصف الأخر علي قدميها وكأنها في محاول للتخلص من الهموم والضغوط التي تعيشها البطلة وهي تستعد لحفل سعيد هذه الليلة وعليها أن تسترد فستاناً جميلاً هي تحبه وتعتز به لأنه يظهر جمالها وأنوثتها التي لم يشعر بها أحد هنا في بلاد النور عند صديقتها الفرنسية. لا، هناك مقابلة هامة سوف تغير حياتها لتعمل الوظيفة التي ترى نفسها فيها تعمل كمذيعة، وسوف تقابل شخصية مهمة في هذه الإذاعة في خلال رحلتها للتنزه في شوارع باريس السياحية من قوس النصر وأحد المقاهي الشهيرة، ترادوها الذكريات الجميلة قبل الهروب والهجرة فيبدو أنها من الريف أو من الصعيد وتحاول التمرد على البيئة التي تعيش فيها.
ومن حيث علم النفس؛ يخبرنا المحلل النفسي “بالينيت” عن تصنيف الافراد كالتالي “يُصنَّف الأفراد بحسب نزعاتهم وميولهم للهجرة إلى صنفين: الراغبين بعلاقة مستدامة مع الناس والأماكن، والراغبين بالتواجد في أماكن مجهولة والتعرّف على أناسٍ جدد. ويعيد المحلل النفسي “بالينيت” هذين الصنفين إلى مفهومين إغريقيين عن الشخصية هما الـ«Oknophilie»، والـ«Philobatismus»، الأول هو التمسك بما هو متين ومضمون، والثاني هو البحث عن التجارب الجديدة والمثيرة. وهذان التعبيران مشتقان من الإغريقية، ويمكن ترجمة الأول بالتشبث أو القبض، والثاني بالسير على رؤوس الأصابع. ومن خصائص الأول التعلق بالناس والأماكن والميل إلى امتلاك العديد من الأصدقاء، أما الآخر فيتجنّب أي نوعٍ من الارتباط ويميل إلى حياة العزلة .
كذلك يعتبر العالم النفسي (وينيكوت) “أنّ المقدرة على مواجهة الوحدة هي علامة هامة على النضج، يتوصل إليها الفرد في طفولته لدى تعلمه كيفية التعامل مع مشاعره في إطار علاقته بأمه. فالطفل الذي يشعر بالبعد والاستغناء عن الوالدين في المشهد البدائي يكون أكثر قدرةً على ضبط ميوله وكراهيته، وينمّي قدرته على أن يكون وحيداً. وبالإسقاط على موضوع الهجرة، فإن الأشخاص الذين يتّسمون بميلٍ حاد للوحدة والعزلة يواجهون، بالضرورة، صعوباتٍ أكبر، لأن هذا الإحساس يتفاقم في واقع الهجرة لفترة زمنية، مُضاعِفاً الإحساس بالا انتماء، فيشعر المهاجر أنه لم يعد ينتمي إلى العالم الذي تركه، ولا إلى العالم الذي وطأته قدماه.” وحبها لعبد الرحمن الذي كانت تجمعهما قصة حب، ما زالت تريد الارتباط به فلا مانع لديها وهو الذي سوف يرحل ليعيش بها في القاهرة ولكنها لم تجد جدوى من ذلك، وتتذكر أخيها الذي يريد من تزويجها من التاجر الثري ولكنها كانت تعيش حالة من التمرد على الواقع الذي تعيش فيه الذي ذكرها عالم النفس سابقاً. تساعدها أمها على الهرب إلى الخارج بحجة زيارة بنت عمها سلوى. يستمر السرد. ونعود للقصة؛ حينما تتجه للعودة إلى منزلها تشاهد منظر مدرسة الأطفال والرجل الذي يحتضن طفلته. تريد ان تعيش هذه اللحظة مع أسرة صغيرة، حلم الزواج مناسب في مجتمع متعدد الثقافات والديانات هو حبكة القصة تدل لنا عن حالتها النفسية هي تريد الارتباط .
حلم موازي
التعويض بحلم وهو النجاح في حياته العملية لتجد عمل تجد فيه نفسها في الإذاعة لتثبت لنفسها أنها لم تفشل، فلم يكن لها مناسب هذا العمل المؤقت في مطعم نسيم الذي ساعدته فيه ابنة عمها سلوى لتشعر بالرضا عن النفس وهو أهم حاجة للشعور بالصحة النفسية والرضا عن النفس. وهنا تنتهي القصة عندما تذهب إلى سمية التي سوف تساعدها للعمل في الإذاعة من خلال الشخص يعمل مسئول عن البرامج الإخبارية الإذاعية. شخصية نضال حيدر وهو شخص عربي مهاجر إلى فرنسا منذ زمن يتكلم الفرنسية بطلاقه وكأس النبيذ الذي يبدو أنه تأثر كثيرًا بالثقافة الفرنسية لتلعب الصدفة دورها الكبير في مقابلة هذا الشخص الذي كان يطاردها في الكنيسة والمطعم وزيارتها السياحية وقد رحب بها مبتسما “تشرفنا يا آنسة” بلغة فرنسية أصلية وكأن هناك مساحة ورد منتظرة، تترك لنا الكاتبة النهاية المفتوحة لتشاركنا معها في وضع نهاية للقصة كما يراها القراء .
Facebook Comments