قصة قصيرة بقلم نادية توفيق
يا أرض انهدي
نشرت في ميريت الثقافية العدد 16 إبريل 2020
تسير مختالة بجسدها الذي أبرزته العباءة السوداء دون أن تصل لحد أن يرفض الزوج الخروج معها. كان رجلا سهل المراس وديعا مسالما لا ينخرط في نقاش طويل أو جدل ممتد. كان رجلا موزعا بين عالمين، بين امرأتين، البون بينهما شاسع. الأخرى ليست محل ذكر أو مقارنة فقد أهيل عليها تراب الزمن والشيخوخة والأمومة. أصبحت نسيا منسيا في تاريخ رجل يحبو نحو الستين، بحاجة إلى إعادة تدوير لعواطف طمرتها سنوات عمل شاق مجز.
داخل العباءة الدوبل كلوش والطرحة السوداء الحرير الشيفون التي تحمل نفس الفصوص الذهبية والخضراء الملفوفة بحرفية حول الكتفين ومع كحل تقليدي يدوم أياما ويؤكد خطوط عينيها الواسعتين وحاجبين يحرسان العين تضمن أن الرجل قد غادر عالم المرأة الأخرى إلى الأبد. حاولت أخته إقناعها بارتداء الإسدال، لكنها كانت تعلم أنه درب بلا نهاية، سيوصلها إلى إلغاء وجودها الفيزيقي في الحيز الذي بدأ يتسع لها أخيرا في العالم السحري لصاحب الاسم الرنان في عالم المقاولات في دنياها المحدودة بحدود ألبومات تامر وعمرو ودياب وما يقصه عمر (خالد) ومصطفى (فتحي) ومعتز (مسعد) من مختارات القصص التي يحلق بها الشباب في عالم الروح وما تتلقفه عيناها من فخامة البيوت الراقدة في قلب صحراء زُرعت بحمامات السباحة، وممثلات شابات لا يجدن صعوبة في الحصول على بشرة نقية وشعر صحي حتى وهن في قلب عاصفة من المآسي العائلية والعاطفية في سيل مسلسلات لا يبل ريق قلوب أمثالها من الفتيات العطشى لمجد الفيلا والخدم المهندمين الذين لا تصدر عنهم كلمة نابية ويشاهدون الأسياد يرفلون في ترف الرذيلة فيدعون لهم بالهداية ولا يشوهون صورتهم في قلب أطفالهم الحفاة بعد أن يعودوا من المدرسة ويستعدوا لبيع الذرة المشوية، وشؤون الحياة التي تسير عن بعد بهاتف أو موبايل وذلك الشخص الجاهز دائما بعصاته السحرية لجعل كل شيء ممكنا وطبيعيا وجميلا طالما كان مكتوبا في السيناريو.
لم تختر العباءة لأنها لا تملك أن ترتدي أجمل أزياء المحجبات من ’سكارفا ‘و’ليدي ستايل‘ و’لمسات‘ و’مدينة بريوني للمحجبات‘ أو حتى من محطة الرمل بالإسكندرية عروس البحر المتوسط التي استقبلتها عروسا في شهر عسل امتد لأربعة أيام عادت بعدها كي تتسلم مهام عرشها الجديد. لأنها من معتنقي فكر معتز مسعد الذي كانت تعشقه سرا وتكتفي بهذه الخطيئة، لأنها كانت تعلم أن السير في السكك التي مهدتها لها حياة الجامعة سيفسد عليها مستقبلا تراه مفتوحا بفضل القد الملفوف والعينين الفصيحتين والصوت المرتعش. كانت تخفي روايات عبير وزهور في كرتونة صابون تحت سريرها وتكتفي باشتهاء شاب يجيد الإنجليزية ويرطن بها كما يفعلون في الأفلام الأجنبية ولكن يعرف الله ويخشاه. كانت تعي جيدا أن خروجها من البيت الذي يصرخ مطالبا بطلاء جديد لجدرانه وطقم حمام يليق بالقرن الواحد والعشرين يحتاج إلى جواز مرور لا يحمل أختامه أي شاب ممن يملكون حسابات على الفيسبوك. كانت تعلم أن عليها العودة إلى الزمن الجميل كي تنتقي منه رجلا يدفئها داخل عباءة مطرزة شغل يدوي وارد الخليج غير ملوثة بالأنسجة الصناعية ويلقي عليها رداءه كي تكون له زوجة.
نشرت القصة لأول مرة في مجلة “ميريت الثقافية” عدد إبريل 2020. ثم نشرت في “أيقونة ميزوبوتاميا للآداب والفنون” في إبريل 2021.
رائعه كالعاده
متمكنه من وصف كل تجربة الحياة و مشاعرها و قراراتها في لحظه واحده!
تأكيدا لان كل ما نراه في لحظه واحده
Byproduct
لسنوات و تجارب
شكرا جزيلا على كلماتك الطيبة. مبسوطة إن القصة عجبتك.