أكتب عادة من وحي ما يحفز أفكاري وليس عواطفي. هذه المرة أكتب تحت سطوة الحزن والغضب. لكنها يوميات محروستي التي أحبها وأجزع لأجلها حين يلم بها مكروه. وكيف لا وأنا أراها الآن ملقاة على ظهرها تجاهد كي تبقى على قيد الحياة. ممدة في الانعاش وأهلها يتقاتلون فيما بينهم كيف يقسمون الجسد الطاهر فيما بينهم.


أتحدث عن جريمة قتل نيرة أشرف طالبة كلية آداب المنصورة التي ذبحها زميل لها في وضح النهار أمام بوابة الجامعة وفي حضور لفيف من المواطنين الشرفاء ومن بينهم حرس الجامعة المشغولين بالتأكيد بخدمة أصحاب المعالي.

هذه الجريمة التي فاقت في بشاعتها جرائم مماثلة لم تحظ بنفس القدر من البقاء تحت الأضواء.

ظهر علينا مبروك عطية على قناته الرسمية في واقعة حزينة متكررة. يبحث فيها في شؤوننا فيضحكنا ويسلينا ويلقي علينا بأحكام قد نتعكبل بسببها في دحضيرة أو حفرة بلا قرار. 

هذه المرة اختار الرجل ذو الملامح السبعينية وبنبرة صوت ساخرة أن يهدد النساء بالالتزام بزي تمييزي موحد كيلا يقتلن.


طالب السيد مبروك كل النساء بارتداء قفة. ولم يذكر لنا مقاسات القفة. ما قطرها؟ فبعض القفف قد يطيرها الهواء فتشف وترف وتظهر ما انطوت عليه من أسرار يراق على جوانبها الدم.


ولم يتعطف علينا ويعلن لنا عن مواصفاتها القياسية ومن أي مادة صنعت وهل يجوز إعادة تدويرها إذا ما نحرت محتوياتها بسبب عيب في التصنيع أم لا.


ثم تركنا في حيص بيص حيث لم يخبرنا عن التفاصيل الفنية الدقيقة للقفة. فهل هي بفتحات أم سلت ملط؟ هل يجوز استعمال الأزرار والكباسين فيها أم يحرم فيها تلك الفتحات. وهل تجرجر في التراب حتى لا يظهر من تحتها الحذاء البيج والشنطة الحمرا. أم لا تجوز الجرجرة؟!


وللأسف لم يحدد لها لونا فنحن نعلم أن ألوان الفرح محرمة وغير مسموح إلا بسواد في سواد في بلاد قائظة الحرارة صيفا وشتاء.


لكن لابد من أن نسير حسب كتالوج التشغيل. فالارادة الحرة لا وجود لها. وهو ما دبج به حكمه المزلزل حين قال إن الحجاب ليس فيه حرية اختيار. وأعلن أن المصنع قد أنتج الباتش كله معيوب لذا وجب إصلاحه. وذلك عن طريق تخريب المكنة وحشوها بالأوراق البالية كي نتحول إلى خيالات مآتة. نأخذ شكل البشر وما نحن ببشر.


وقد نرى في مبروك سمت الرجل الطيب لكننا لا نرى معادلا له في قائد الإسلامو سرسج، كما تسميه طيبة الذكر د. هبة دربالة، من أجمل وأنبه من أنجبت المنصورة المدينة التي اغتالت الجميلة نيرة أشرف. ما كدنا نبكيها حتى أدركنا من أين يأتي الاحتقار للنساء. من ذلك الاتجاه الذي يطلق عليه شعبويا الإتجاه السرسجي الذي يحمل عار ريادته كشري المتحرش المحرض على العنف ضد المرأة.

ورغم أنه لا يحمل خفة ظل مبروك عطية الذي تربى في زمن سبق الصحوة ولا يحمل أي سمت مصري في حركات جسده المنفوخ بالستيرويد المخلق (تغيير في خلقة الله بالمناسبة) ولا في ألفاظه التي تتسم بالسماجة والوقاحة وتعكس ثقافة إخوانية مقززة، إلا أنه تمكن من وضع نفسه في مواجهة مع الأسوياء. رغم أن طرحه أضعف من أن تضيع فيه وقتا. إلا أنه المحرض الأول على جريمة نيرة أشرف. وأنتظر يوم استدعائه للشهادة عندما يعترف القاتل أنه تأثر بتويتات كشري. وسيكون يوما مشهودا مثل يوم يعقوب وحسان.

نيرة ظلت تتعرض للابتزاز والتهديد من قبل هذا المجرم الذي أبت عدالة الله إلا فضحه حين شهد عليه جيرانه أنه “واد مؤدب لا يسمع له حس إلا حين يضرب أمه وأخواته.” يا لها من شهادة يندى لها جبين البشرية. Oxymoron كما يقول الكتاب. لقد فضحوا خسته وأخلاقه الدنيئة من حيث لا يدرون. ويمكننا أن نستنتج أيضا أن ضرب الأم والأخوات من الأمور الحياتية اليومية في تلك البيئة. هؤلاء هم من يركبون معنا المواصلات وينتفضون لحماية منحرف يرتكب فعلا فاضحا في الطريق العام. وهم أنفسهم الملتفون حول المتحرش لحمايته من التصوير والفضح. هذا هو بعينه الشعب المتحرش بطبعه.

وقبل أن أسترسل في غضبي، أؤكد أنه ليست مصر كلها هكذا، لكنها الكتلة الحرجة في مصر. إنها تدفع بنا في طريق بلا عودة. دخلته دول مجاورة حولنا. هل نصبح نحن حصالة الإرهاب في العالم؟ حيث يتم التفريخ والتوزيع حين تدعو الحاجة إلى ذلك؟

إن احتقار المرأة ومطالبتها بأن تصبح قفة هو أسوأ تجليات الدولة الدينية التي نسير في خطاها اليوم. كلا يا أصدقائي، الأمر لا يتعلق بتنظيم الإخوان الإرهابي المدعوم من الغرب ومن شلة منتفعين ربما نستطيع تمييز صورهم على السوشيال ميديا إن شئنا. الأمر يمتد إلى كافة أشكال الطائفية والدينية. باختصار ومن دون لف أو دوران لا تقوم دولة متحضرة على حكم الملالي أو المشايخ. حتى وإن اجتهدت شخصية قيمة ومتوازنة مثل نهاد أبو القمصان وقدمت حججا على ضمان الحقوق من خلال الشريعة.

حلقة حلالة العقد حول طرق مقاومة الابتزاز والتهديد أونلاين
هل نتجنى على مصر عندما نقول إنها مكان غير آمن للنساء؟

زميلة لي ذهبت إلى مصر في رحلة قصيرة مع صديقة لها. ذهبتا إلى شرم الشيخ لقضاء أسبوع في السباحة والفسحة والتمتع بالشمس وشراء التذكارات. لم تكن أيهما ترغبان في أي مغامرة مع أي رجل ولا رغبة في التعرف على أي رجل. رغم ذلك تعرضت للتحرش من شخص يعمل في المكان الذي كانت تقيم فيه. وقالت لي إنه كان مستمرا في مضايقتها رغم أنها قد قالت له بأكثر من طريقة إنها لا ترغب حتى في الحديث معه وإنها زوجة وأم وغير مهتمة بأي رجل سوى زوجها.

نحن نضطر للرد على هذا النوع من العار. مصر تحمل وصمة العار هذه مهما ادعينا غير ذلك. بالتأكيد هناك أشخاص أكثر من رائعين لكنهم ليسوا الأغلبية بل هم كالخل الوفي من المستحيلات.

مصر ليست مكانا آمنا للنساء لأنه يتم تعنيفهم والتنمر عليهم داخل الأسرة وفي المدرسة وفي الشارع.

مدرس التربية الدينية بإحدى المدارس أيام الصحوة كان يتعمد أن يتحدث في موضوعات 18 بلاس في مدرسة كلها بنات. ويتعمد ذكر كل ما من شأنه تحقير المرأة. ولم يكن يهتم بتدريس المنهج، بل كان يمضي وقت الحصة في جلسة مصاطب بنفس طريقة كشري لكن في زمن الصحوة البائد.

تتعرض النساء للعنف الزوجي ويتم هضم حقوقهن في الميراث وذلك عن طريق التهديد والابتزاز. مثال الأخ الذي استأجر شخصا لاغتصاب أخته وتصويرها وفضحها.

المرأة تهدد بالفضح عندما يطلب أحدهم يدها، عندما تخطب، أو تتزوج أو تطلق. هي دائما تحت التهديد بسياط ألسنة الدهماء. ويا ويلها لو تمردت. أو انتفضت لكرامتها.

قيمتها أقل من قيمة الرجل. بسنت خالد أجبرت على تناول السم إن طوعا أو كرها. أول المدانين أهلها. وسكان قريتها ومدرسها في المعهد الأزهري. وقتلتها طالبا الأزهر، أقربائها الذين هدداها وابتزاها وأهاناها وتنمرا عليها. وساعدهما أهلها بالتواطؤ والتضحية ببنتهم ضناهم في سبيل إنقاذ رقبة المتحرشين المغتصبين.

حلقة حلالة العقد حول بسنت خالد

رجل قتل ابنته لتأخرها في العودة إلى بيتها وتفاخره بذلك.

فتاة ريفية، طفلة في الخامسة عشرة، تهرب من بيت أهلها لمحاولتهم تزويجها بالقوة.

https://twitter.com/Hala_EssamPsych/status/1539398933209698304?t=ch2kNLHJS-FXtjWWdcV6xA&s=19

متصلة تقول إن والدها يتحرش بها جنسيا وربما يغتصبها والمذيع يحملق في الكاميرا ببلادة، ويسألها عن الطعام الذي تعده لأبيها. جريمة اغتصاب قاصر والمغتصب الأب غير السوي المنحرف. والمحطة والبرنامج يعرضان الأمر كأنه من اليوميات وهو كذلك.

كلا، ليست حوادث منفردة ولا معزولة، بل ظاهرة اجتماعية مستفحلة. دفن رأسنا في الرمال قد يريحنا جزئيا لكنه لن يوقف تيك توك الزمن الذي قد سبقنا بالفعل. كما قلت هنا في آخر فرصة للحاق بسبنسة القرن الواحد والعشرين.

تم.

هذا تعليق من صديقتي الرائعة من تويتر:

Facebook Comments