اسمحوا لي لم يعد أمامنا وقت طويل للخروج من سبات القرون. العالم يتغير ويعاد تشكيله بأنماط تبدو حميدة إلا أن داخلها ما لا يمكن التنبؤ به. كتبوا عن شعوبنا أنها شعوب نائمة في العسل وبتشخر. قيل إنها ستكون السبنسة وستتبع القطار القوي القاطع للمجرات.

وها نحن ما زلنا نجادل بعضنا البعض أينا جدير بالحياة وأينا عليه دفع الجزية. بل سمعت كلاما عجبا على عهدة التلفزيون المصري الذي أذاع حديثا في الدين، بطبيعة الحال، ربما كان له سياق ما، لكن كل السياقات لن تمنح الكلام ما يحتاج إليه من طبقة سكرية للتعمية على الكلام المر. فالمرأة كائن ناقص. تكوينه ناقص وعقله ناقص وقلبه مليء بالشرور. ما عدا ذلك تكريم. وقد طبقت طالبان المبدأ المعوج، ولابد من أن الكثيرات والكثيرين قد مصمصن ومصمصوا الشفاه تندرا وسخرية من أراجوزات العصور الوسطى. دون أن يدركوا أن لديهم مثل ما لدى الموصومين بعار الجرائم ضد الإنسانية.

هل تعلمون كم نحن قريبين منهم وبعيدين عن اليوتوبيا المتخيلة عن مجتمعنا المتخيل بأفراده المتخيلين؟ نحن أقرب إلى كائنات الفيافي المقفرة والمطارق الموحشة منا إلى أي كائنات حضرية كانت أم ريفية. كل الكائنات تركت الأزمنة القديمة ما عادانا.

ربما كان الحب الحازم tough love هو أحد أدوات التمحيص والإفاقة، فلم يتبقَ وقت طويل. نحن ندور في حلقات متداخلة منذ أن خطت هدى هانم شعرواي مذكراتها التي عرضت فيها واقع الطبقة الحاكمة البورجوازية داخل منزل أسرتها الذي كان مقسما بين زوجتين، وجهدها الذي بذلته كي تصل إلى مرتبة أخيها، وصدمتها بزواج مبكر، وثقافتها التي كانت موزعة بين عالمين أو حتى عوالم متعددة. اليوم تتهكم حفيداتها الغافلات عما أنجزته لهن.

ونرى بأعيننا مصرنا تنقسم تحت جحافل تمنح نفسها رخصة الاعتداء على الحرمات بلا رادع، تعاير كل فرقة منها الأخرى. والسباق قد انتهى من قرون، لكنهم لا يعلمون.

نحن نعيش بأجساد ميتة داخل هذا العصر وعقولنا ووجداننا يعمل بسرعة البرق داخل آلة زمن معطلة توهمنا أننا خرجنا إلى ساحات المجد التليد. كل المطبات التي تنصب لنا وكل الأوهام التي يتم طبخها على تنور الماضوية هي طريق الأشواك للوقوع في شرك النظام الجديد.

الدولة المصرية تبذل جهدا غير مسبوق حضاريا، ربما يشبه ما بذله محمد علي ولم يقدر على إتمامه واختار القدر إسماعيل الذي كانت ذاته أضخم من حجم دولته، كي تضعنا على عتبات القرن الواحد والعشرين. علينا التحرك إلى الأمام بسرعة البرق. فلا يمكنك أن تلوي عنقك إلى الخلف وتتوقع أن تتقدم. مستحيل!

دعونا نخرج من إدعاءاتنا بالفضيلة الحاضرة والمستقبلة، نتخلى عن أرديتنا البالية ونمسح غبار الطريق الوعر عن كتابنا. الوقت يداهمنا ولم تعد هناك مساحة للتعلم من الخطأ أو التجريب. إما أن نكون أو لا نكون.

اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.

Facebook Comments