
أتعمد من وقت لآخر أن اعزل عقلي ووجداني عما يدور في مجتمعي من أحداث لعلمي أنني دائما بحاجة إلى طاقة صبر وتفاؤل كي أواجه العناوين البارزة والترندات وما تحمله إلينا من هموم ومآسي مسرح الحياة. لكنني ما ألبث وأن أقع في شرك غواية الترند قبل أن تنتهي خلوتي الخاصة كي أبقي على ثباتي وطاقتي التي أحتاج إليها لإنجاز عملي وصيرورة حياتي.
هذه المرة القصة كانت من نوع الكوميديا السوداء. تجاهلتها فور أن سمعت بها. لكنني ما لبثت أن قرأت تويتة تلو الأخرى تحمل هاشتاج #أوقفوا_ياسمين_عز ومع هذا الهاشتاج فيديو لمذيعة تلفزيونية تبرق بكل ما تشتهيه الأنفس من أنامل الميكب ارتيست ونافخي الشفاه والوجنات. وكانت المذيعة توجه كلامها إلى المعنفات من النساء. وتقول لهن اقبلن بالضرب والإهانة فهكذا شاءت حكمة الأجداد.
وفي الواقع أنا أعتبر أن حكمة الأجداد هي جزء من ثقافتنا وعلينا الاعتزاز بها واستيعابها ومراجعتها كذلك. علينا غربلتها وتحليلها لفهم دوافعها التاريخية والبيئية. فكل إرث مهما غلا وعلا لابد وأن يخضع لمعايير عصره. ومن حق الأفراد أن يختاروا لأنفسهم, إن أرادوا أن يمشوا على خطى الأقدمين، ومن حقنا أن نقول رأينا في اختياراتهم.
ومن المتعارف عليه أن المنابر الإعلامية لها سياسات عمل ولكل برنامج أو حتى قناة خاصة سياسة تحريرية ما. ومن موقع المذيعة التي يُبث برنامجها إلى ملايين المشاهدين لا يمكن لها أن تهري بآرائها الخاصة دون رقيب أو حسيب. ولا أدري هل كانت تتحفنا الست بأقوالها الفذة من باب المكلمة التي تملأ الفضاء من حولنا، أم أنها تتبع خطى رضوى الشربيني التي كانت قد وجهت إهانة بالجملة لغير المحجبات وهي منهن، على اعتبار أنهما، أي رضوى وزميلتها ياسمين، لديهن ما يحميهن من عزوة ومال ووظيفة مرموقة. وحتى إن تعرضت هذه أو تلك للضرب فلابد وأن لديها أرقاما ساخنة على هاتفها ستعيد الأمور إلى صوابها أو كما قلت هنا:
لا يعنيهن أختهن التي تعيش في الصعيد ويتبجح أهل زوجها بأن ضرب النساء في الشارع يوم زفافهن وهن يرتدين ثوب الفرح هو عادي ومقبول بل ومتوقع. القصة أن عريس صعيدي ضرب عروسه في الشارع وعاونته امرأة، ترتدي زي باتمان المعروف المنتشر في مثل تلك المناسبات، في سحل وإهانة العروس التي اتضح، فيما بعد، أنها ابنة عمه.
أما ثالثة الأثافي فكانت قصة الحب التي زعم أحد رجال العائلة، ربما يكون أب أحد العروسين، أنها تربط بينهما منذ ثلاثة عشر عاما. بالنسبة إلى عائلة تُضرب نساؤها ليلة زفافهن عادي وتقام بعد زفة الضرب الأفراح والليالي الملاح، وجدت من الصعوبة التوفيق بين الضرب وحب الثلاثة عشر سنة الذي يبدو أن العائلة التقدمية تباركه. هل كان puppy love¿ بالتأكيد. فالعروسان يبدوان في العشرين من عمرهما. كيف سمحت هذه العائلة الحمشة بوجود هذا الحب أصلا؟ وهل استخدامه الآن كمحاولة لتحلية مرارة العلقة والجُرسة التي جرعهما إياهم العريس الضارب يمكن أن يجدي نفعا؟
وقيل إن المشكلة كانت حول الميكب ارتيست. ولابد أن أقف هنا عند تلك المفارقة المضحكة المبكية. ففي حين أن العريس الهمام ادعى أن ضرب الزوجة يوم الفرح هو من عوايدهم فقد أدخل في حياته وحياة عروسه المضروبة ذلك العامل الذي لا أعرف عنه شيئا. فأمثالي ممن تربوا في ثقافة غربية وعاشوا في بلدان مختلفة لا نعرف من هو أو هي الميكب ارتيست. هل هو جزء من يوميات المرأة المصرية الذي لا ندري إلام سيؤول حالها؟ أم أنها خدمة تتلقاها المرفهات من العرائس المضروبات عملا بتقليد سري آخر لأهل الصعيد حسب ادعاءات أهل العريس والعروس؟
متى عرف هذا المجتمع المشوه فنان تجميل الوجه؟ وكم عدد الميكب ارتيستس الذين نحتاج إليهم كي نجمل هذا المشهد القبيح الذي رأيناه؟ وما فائدة تجميل وجه امرأة مهانة في يوم عرسها؟ امرأة لم تجد يدا واحدة تحميها من بطش هذا الوحش الدميم القلب والروح؟
عن أي ميكب تتحدثون يا سادة؟ أفيقوا! فأنتم تستعبدون النساء. المرأة هي عبدة البيت مثلما كان أجدادنا عبيد الأرض. لا تتباكوا حين تنتحر طبيبة شابة في مول تجاري. فهي تعري نفاقكم وكذبكم وإدعاءاتكم الزائفة بالورع والتقوى. ولا تذرفوا دموعا حين تقتل صديقة صديقتها بدم بارد. ولا تدعوا الانتفاض لحق طفلة انتحرت بسبب قساوة قلوبكم.
فأنتم لا يهتز لكم جفن أمام مشهد ضرب امرأة، وقد تشجعون عليه. بل إن هناك ممن يتحفنا بفنون الضرب الحديثة مثل تلك “العالمة” التي تفننت في فنها حتى أتت بالعجائب:
أنتم اخترتم هذا العنف وهذه الجرائم. السيدة ياسمين عز لم تخجل من الإقرار بأن تعنيف الزوجة بالضرب هو من ركائز الأسرة المصرية. هكذا دعتكم تلك الشابة الجميلة، التي تمتلك ما لا تمتلكون، إلى الاستمرار في حلقة العنف الجهنمية. وتطالب نساءكم وأمهاتكم بأن يقبلن الضرب والإهانة.
همسة في أذنكم. حين يضرب الزوج زوجته ينهال عليها بأقذر السباب والشتائم. وتصل هذه الشتائم إلى أسماع الصغار وتترسخ صورة مشوهة للمرأة في أذهانهم. سر آخر سأفشيه. يتم الضرب في حضور الأولاد. فكما تعرفون بيوتنا علب سردين ولا يملك الزوج الضارب أن يؤدي حفلة الضرب بعيدا عن أعين الصغار. وستكون النتيجة كما قلت هنا:
لا تدعوا بعد اليوم أنكم تريدون صلاح الناس. فلا صلاح في مجتمع تقوم وحدته البانية على العنف والإهانة والذل. هذه العروس المضروبة ستكون أما ضاربة وربما تتحول إلى أم مضروبة. لن يتورع ابنها عن المشي على خطى أبيه. وهذا الابن هو واحد من بين ملايين.
فأي مستقبل ينتظرنا على يد أبناء العرائس المضروبات؟!!!
صورة المقال مأخوذة عن https://www.watania.net
Facebook Comments