بقلم الشاعر محمد حافظ الفقي
تمر بصندوق الذاكرة. تتهيب مخاطبة الحنين. تهرب من مواجهة مر اليوم وسائر اليوم. تغدق دموعا كظيمة على صفحة الخد الأثيل. لكن دمعة ما تصل فتحسم الخلاف وتنهى المطاف. تصل محبرتها عسى ينطق بها يوما ما لسان الورق يتسع أن تسكب عليه وجع مئة عام من الآﻻم.
تثقل الذاكرة قلبها الرهيف الشفيف وتوخز وعيها الحاد الجاد الشقى الحفي بأبجدية وجود ممكن متحضر. تفاصيل الواقع تسول لها بحثا مضنيا عن مخرج وحل يرضى الروح ويريح القلب ويفاوض شقوة الوعى اليقظ ﻻ يرضى مهادنة وﻻ يببح تسوية وﻻ يقبل القسمة الجائرة. تستدعي حقائب الذاكرة فتخلص إلى حقائب السفر. السفر مخاتلة رومانتيكية رهيفة لوجع مكنون بذاتها مستبد بلحظتها الإنسانية. السفر قسمة الوجع على رقعة فسيحة من جغرافيا البحث عن يوتوبيا ممكنة وإن موهومة.
السفر حل ممكن متاح مباح يراوغ الزمان ويحلحل المكان. السفر مسافة تقتفى أثر الشروط الصعبة لرضا الروح وتفريغ الذاكرة. تتذكر ذاك الفتى المجهول بسمرته الوسيمة وحكمته الأليمة يرويه النيل وتلفح وجهه أشعة شمس فرعونية ﻻ تنفك تقبل وجه رمسيس الفرعون الأشهر. حفيد من أحفاده حدثها يوما عن بلاده. يسعى بها نداء المجهول فسرد الأقدار القائم على دهشة استراتيجية موصولة ﻻ تستوعبه فروض نظرية أكاديمية أو تستوفيه مقالة نقدية. هو سرد مفتوح على وعود الدهشة المذهلة والمفارقة المزلزلة.
تسيح وراء الهاتف الغامض المجهول يقول به حدس مهيمن حد اليقين المطمئن الواثق وﻻ يفي به واقع الانتظار حتى الآن. تقف بحضرة أبى الهول طويلا. به من ذاك الفرعون الحفيد شيء كثير وبذاك الحفيد منه الشيء الكثير. حكمة تتلبس بالقوة وقوة تستكين إلى المكث رباطا بجوار حابى /النيل.
وعود غامضة وامضة تبعثر جوف الذاكرة المتعبة. تسائل أبا الهول يعرض بقاءه وﻻ يبدى دهاءه وﻻ يكشف رداءه. عام مثل مئة عام مثل ألف عام. ﻻ فرق. كل محدود باعتبار الخلود يئول إلى الصفر عالج الفراعنة فكرة الزمان. أبو الهول الخالد أبدا نفى الزمان إلى المطلق. الزمان نفثة يسيرة بين أزل وأبد. جاز الفرعون هذه النفثة وتلك التنهيدة الحارة. جاز الارتهان كظاهرة زمكانية. سفرها نوع من فك الارتهان. تسكن الروح جسد الذاكرة فيؤلمها الارتهان فتقترح اللحظة بعض مسرات الانتقال وفوائد السفر. السفر مخاطبة هواتف الروح وأشواقها المكظومة. حمل ثقيل تتخلى عنه فيتخلى عنها الآن. تقترب من الأسد الرابض بوعى إنسانى حكيم. القرب حضن خفي وترحيب حفي.
تبتسم. تلتقط تحت أبى الهول صورا كثيرة معبرة. تضحك الصورة وكأنها تدرك ما تخفيه الماجدة. ترى هل سيرى الحفيد الصورة فيخرج من المجهول كما خرجت هي الآن والآن فقط من الذاكرة القديمة المؤلمة إلى البراح والانفتاح على المطلق: المسافة الرحيبة بين الماء والسماء.
Facebook Comments