بقلم الشاعر محمد حافظ الفقي

تسترخي المدينة بكسل لذيذ. ترتاح خارطتها إلى حضن النهر. التؤدة والطمأنينة تنتظم وقع نبضها الرهيف كأنها قد استوثقت أبدا أن الحبيب/النهر الذي يترفق ذراعه حول جسدها لن يغادرها أبدا.

البساطة والبكارة والسحر يرسم إيقاع حياتها. تتنفس بعمق يغازل عمر النهر. تزفر متاعبها المعهودة على مهل. الصبر فضيلة حاضرة فمجرى النهر الطويل يعلم الصبر والانتظار والإصرار. كيف لا وهو يعبر السدود والقيود والأحراش والمستنقعات.

تغتسل المدينة كل يوم. لا تهش كثيرا لزيف عابر تحمله رياح من جنوب أو شمال. يذهب مع السيل مساحيق الزيف فلا تكون إلا نفسها وحقيقتها دوما أو في غالب الأحايين.

الحياة زمان ومكان وإنسان. المدينة توجز ذلك جميعه فى آن كأبلغ ما يكون. تتصل بالنهر دوما. صفحة الماء مرآة لا تكذب ولا تتجمل، لكن ثمة جديد مدهش.

لا تقع المدينة فى غلطة نارجيس لا ينفك يطالع صورته الجميلة الفاتنة لاهيا عن حركة النهر وتياره الذى يجرفه بعيدا عن مقتضيات الحياة واختبار الجمال الأسطوري.

لا تقع المدينة فى هذه الورطة/الإشكالية. هي تاريخ من تجربة تعيها الذاكرة الواعية أبدا. تتوحد مع النهر فينتفي عامل الحذر. تدرك أن النهر يصنع تاريخها ويصنعها كما هي عنوانه والدليل عليه. وحدة المصير وخط الوسيلة والغاية المستقيم ينتظمهما معا فلا تنظر إليه إلا لتهتدى لحقيقتها لا لتضل عنها.

تغتسل كل صباح فتصبح جديدة راسخة الأصول والجذور. جديد كل يوم هو قديم أزلي .وكأن الجدة/الصيرورة دائرة تنغلق على عبق نادر يختص بها فلا تغادر بساطتها وحقيقتها وجمالها المدهش.

تسترخي المدينة الأسطورية على النهر وتتمدد فى انفتاح وانفساح يريح الروح ويشرح الصدر. هازئة هي أبدا بالأنواء والأعاصير. تاريخ طويل مر عليها. لا يبدع القدر جديدا. لا ترتعش ولا تبتئس. على بساطتها الهادئة لا تتعجل الزمن. كأن صفقة وجودية قد دارت قديما بينها والأزل يرتحل إلى الأبد فتوافق لها مغازلة الخلود ومقاربة التاريخ مبتدأ وخبرا.

تمضي السيدة الماجدة في تضاريس المكان وخريطة هويته. يأخذ وعيها ذاك النهر يعتبره أجدادها إلها/حابي. تتأمل احتضانه جسد المدينة ومرور كشريانها الوجودى بقلبها النابض المفتوح على وعود شتى.

ترى كيف تكتب القصة؟ أليست المدينة خريطة عاشقة؟ ألم ينبت النهر فارسا يماثله ويرمز له؟ ألم تبدع المدينة امرأة تكونها وتجسدها؟ هل ثمة بعث يعيد ثنائية إيزيس/حورس كما ثنائية الحياة/الموت جدل مضفور ومشاهد كل آن؟

ما تزال هذه الماجدة متخمة بشئون الوطن والمدينة الأسطورية وشجونها، عسى ترسم خطواتها ملامح خريطة عشق يتواصل سجالا وجمالا ودلالا أيضا.

Photo source: https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/5/5f/Egyptian_Isis.svg

Facebook Comments