
إلى السادة #شيوخ #الأزهر الشريف العائدين من #أفغانستان على متن طائرة حربية #مصرية
حمد الله على السلامة.
لقد عبرتم عن حبكم لوطنكم بكلمات صريحة لدى وصولكم إلى أرض الوطن. ولا أظن أن أحدا قد دفعكم إلى هذا سوى مشاعركم الصادقة بالنجاة من جحيم شريعة #طالبان. وأرى أن من واجبكم اليوم أن تنقلوا هذا الحب إلى زملائكم وطلابكم. فبعض الحب وهم لأنه لم يخضع للتجربة، وبعضه حقيقة بعد التجربة وإن أنكره الغافل. دوركم لا يقتصر على ترداد ما تعلمتموه في الكتب، بل يتعدى إلى نقل تجربتكم الأصلية بما أنكم اختبرتم بعض ما تعلمونه في بلاد أخرى وثقافات أخرى.
أعزائي شيوخ الأزهر العائدون من جحيم طالبان، لقد قال أحدكم صراحة “حب الوطن من الإيمان”. [1] ومن هنا أطمح إلى أن تكونوا نواة أو داعمين لفكرة تأسيس فقه الوطن والانتماء إليه والدفاع عنه. وتعليم أن الولاءات الأساسية في حياة الإنسان تشمل الأرض. ويجب أن يكون هذا الفقه جزءا من كل المناهج الأزهرية لجميع المراحل التعليمية. مما يشكل خط دفاع ضد الأفكار المعادية للانتماء إلى الوطن. تلك الأفكار التي أتت لنا بخريج الأزهر، القرضاوي، مفتي الدم الأول، وعمر عبد الرحمن الذي نُكبت مصر به، بل وصدّر الأزهر إلى العالم خريجين أصبحوا من عتاة الإرهابيين مثل أبو بكر شيكاو زعيم بوكو حرام وعبد الله عزام من مفرخة الإرهاب الأفغاني.
هل تكفي هذه الأسماء لإقناعكم بالبدء في الكتابة؟ هل تكفي أيام الرعب في أفغانستان وأنتم لا تعرفون هل تخرجون منها أحياء أم للقاء ربكم دافعا لكم للشروع في كتابة فقه حب الوطن؟
وجهتم، على لسان أحدكم، [2] الشكر إلى قيادات مصر وجيشها الباسل. أنا أرى تناقضاً بين هذا الشكر وما خبرتموه من حماية جيش مصر لأرواحكم وتكريسهم لمعداتهم وبذلهم الجهد الكبير، المحفوف بالمخاطر، من أجل إعادتكم سالمين إلى أهلكم مع ما تعّلمونه لطلبتكم عن الجهاد، متجاهلين أن الدول اليوم لديها جيوش نظامية تقوم على حمايتها وحماية شعبها. أنتم تعلِّمون أبناء مصر أنهم سينالون مرتبة عظيمة بالعدوان على الشعوب الأخرى وتعلمونهم الانتماء إلى فكرة واحتقار الانتماء إلى أرض ذات حدود جغرافية. إن الجيش الذي أنقذ حياتكم عقيدته وطنية صرفة خالصة، جيش باسل يحمي أرض مصر وشعبها ولا يعتدي على أحد. لم يتردد في حمايتكم وإنقاذ أرواحكم، ولم تتردد الدولة في تحمل التكلفة المعنوية والمادية لإحضاركم إلى أرض الوطن بالسلامة، في حين تحمل كل مواطن أمريكي تكلفة إخلائه من أفغانستان ونقله إلى الولايات المتحدة حيث فرضت عليه وزارة الخارجية الأمريكية أن يوقع على كمبيالة بدفع 2000 دولار فما فوق للشخص الواحد مقابل تسفيره من أفغانستان. ثم ألغيت التكلفة بعد ذلك بأيام بعد الانتقادات الحادة التي وجهت للإدارة الأمريكية لانعدام الحس الإنساني لديها. [3]
إن خروجكم من أفغانستان بهذا الشكل لم يكن عملا سهلا. فلتنظروا كيف تقر دولة من دول العالم الأول، نيوزيلندا، بعجزها عن إجلاء رعاياها من جحيم شريعة طالبان في أفغانستان! [4]
سيكون من المؤسف أن تحدثوا طلبتكم عن الجهاد الذي فررتم منه، وعن المجاهدين الرافعين شأن الإسلام وقد أدخلوا الرعب في قلوبكم وقطعوا أرزاقكم وعرضوا حياتكم للخطر. سيكون من العجيب إن دعوتم طلبتكم إلى ما فررتم منه وإلى ما حمدتم الله على الإفلات من قبضته.
وأخيرا أدعوكم إلى التفكير بعمق في مبدأ المساواة. أن تنظروا إلى البشر جميعا بعين المساواة. وتكفوا عن تكريس استعباد المرأة في دروسكم القادمة. لابد وأنكم قد فكرتم في مصير زوجاتكم وبناتكم في أفغانستان لو بقيتم بها ولم تعودوا إلى أرض الوطن في عملية بالغة الخطورة أدتها المخابرات المصرية ونفذتها القوات المصرية. ربما لم يخطر على بالكم يوما أنهم سيحمونكم مباشرة لأنكم تتظلون بسماء مصر وتذهبون وتجيئون وتمارسون حياتكم دون التفكير مرتين في السبب الذي يجعل حياتكم ممكنة. إنه الأمن يا سادة. الأمن الذي توفره الشرطة في الداخل والجيش في الخارج.
وربما لم تصطحبوا زوجاتكم وبناتكم لانعدام حقوق المرأة في هذا البلد. وتحملتم فراق أهلكم خوفا من أن تطبق عليهم وعليكم شريعة طالبان. 5
ربما لا ترون بأسا في أن ينتزع حق زوجاتكم وبناتكم في ارتداء ما شئن، رغم كونه حق إنساني وإن انكرتموه، ولكن ما رأيكم في منعهن من معايدة الطبيب؟ ومنعهن من الدراسة والعمل؟ ربما تقولون إن هذا فقه متشدد. مما يعني أننا نضع مصير البشر تحت سيطرة أي مجموعة تستطيع فرض فقهها بالقوة متشددا كان أم متساهلا.
سأترك لكم المجال هنا للتباحث في واقعية فرض أي فقه على أي شعب، علما بأن داخل كل الشعوب تمايزات عرقية وثقافية ولغوية. وأن الشعوب اليوم تعرف كيف تدير أمورها وتقرر تشريعاتها ونظمها الاقتصادية خارج كل أطر الفقه الديني حتى وإن استلهمت منه المباديء القويمة. وأترك لكم الخيار بين أن تدعون إلى أن يعيش كل الناس في ظل مواطنة تقوم على المساواة أم أن يكونوا رعايا لجماعات مسلحة لها مرجعية فقهية غاشمة لا تقبل الرأي الآخر.
ادعوكم إلى سماع شهادة امرأة عاشت تحت حكم طالبان في سنوات 1996 إلى 2001. [6]
وسأفصل لكم كابوسا قد يكون قد مر بخلدكم:
يدق الباب وإذا بك، أيها الشيخ الجليل، أمام “سمسار الزواج” الطالباني. يجلس دون استئذان. يمد يده في طعامك وشرابك وينتهك حرمة بيتك. يطلب منك إحضار بناتك مهما كانت أعمارهن. إن اعترضت فَدِيَتُك رصاصة في الرأس. يأخذون الفتاة، طفلة كانت أم راشدة، وتُسلم سبية مستباحة لأي مجرم من مجرمي طالبان. ولن تتمكن من الاعتراض، سماحة الشيخ، بل قد تُستلب حريتك كذلك إن عنّ لهم. فلا تنسى، أنهم لا يعترفون بمسلم خارج نطاق أفكارهم. وهنا عليكم، أيها الشيوخ الأفاضل، أن تفكروا في مناهجكم التي تحض على كراهية الآخر. فكراهية الآخر، إن ظننتم أنه لا بأس بها لأنك لست الآخر، فسيأتي حتما يوما تصبح فيه الآخر وتكون الكراهية موجهة ضدك. تماما كما تدل عليها تجربتكم في أفغانستان.
ولابد أنه مرت عليكم التجربة الأفغانية فيما يتعلق بالمرأة. نتمنى منكم أن تنقلوا إلى طلابكم هذه التجربة الخاصة. ما رأيكم في اغتصاب النساء باسم السبي؟ ما رأيكم في بيدوفيليا الصبيان المنتشرة في أفغانستان تحت اسم “باتشا بازي”؟ هل ترون ضرب المرأة أمرا محمودا؟ وماذا عن ضرب النساء على مؤخراتهن في طرقات أفغانستان؟ هل ترونه أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر؟ هل تحبون أن تجلد بناتكم وزوجاتكم لمجرد أنهن ارتدين حذاءا بلون أبيض لون علم طالبان؟
أفتكر أنه يمكنكم إثراء معلوماتنا بهذا الشأن. فأنتم أعلم بشؤون أفغانستان بحكم خبرتكم في العمل بها.
هل نأمل أن نرى منكم رفضا لكل أشكال العنف ضد المرأة باسم الشريعة؟ بل هل نأمل في تعديل مناهج الأزهر كي تعكس تلك المساواة؟
“قبل طالبان كنا نسير في أفغانستان باطمئنان لكنه اطمئنان مشوب بالحذر من المخاطر.” هذا قول أحدكم في مقابلته مع رامي رضوان على قناة دي ام سي بتاريخ 24 أغسطس 2021. [7]
فلنتوقف برهة مع الشيخ لنتأمل مقولته. الأمن لم يكن كاملا في أفغانستان قبل طالبان وانتفى تماما بعد وصولها. فما سبب الغياب النسبي للأمن قبل طالبان وغيابه التام بعدها؟ الإجابة: حكم الشريعة. الإسلام السياسي. لو أخرجنا كل مجموعات العنف من المعادلة لما نقص الأمن في أفغانستان إلا بالمعدل الطبيعي.
تحدث الشيخ أيضا عن التفجيرات ومحاولة اغتيال وزير الدفاع الأفغاني، وهي مظاهر الخلل الأمني في السنوات التي سبقت دخول طالبان كابول في الخامس عشر من أغسطس 2021. وأمن على كلام رامي رضوان أنه، رغم التفجيرات، فقد كان جوا فيه أمان واطمئنان مقارنة بالوضع الراهن، أي الوضع تحت حكم طالبان. جميل!
إذن التفجيرات وخطر الموت والإصابة أرحم من طالبان!
كيف تظنون أن المناهج الأزهرية التي تحض الطلبة على فقيء عين الأسير أو قطع أطرافه ونهب ما يملك ستؤدي إلى إنشاء جيل يتحلى بحب الأمن؟ أظن أنكم قد تذوقتم الطعم المر لنمط الحياة التي تؤهلون لها طلبتكم.
أدعوكم لزيارة قناة المستشار أحمد عبده ماهر [8] ومشاهدة لقاءاته مع زملائكم من شيوخ الأزهر حول مناهجهم التي تحض على العنف وكراهية الآخر وقتل المخالف.
لقد عاديتم المستشار ماهر لأنه حاول أن يساعد الأزهر على اعتماد مناهج إنسانية رحيمة لخلق جيل من الأزاهرة المستنيرين المتجانسين مع أحوال عصرهم. كما قال هنا في هذه المقابلة التلفزيونية [9] “العملية التعليمية يجب أن تكون تربوية وتنموية لعقل الطالب.” أي أن مناهجكم تشكل العقول وتنتج لنا أشكالا من العنف الوقح على منصات التواصل الاجتماعي والعنف الواقعي كما الحال في سيناء وليبيا وتونس وأفغانستان. عنف مستدام يتم تفريخ المزيد منه جيلا بعد جيل. وبطبيعة الحال هذا لا يعني أبدا التخلص من كتب التراث. فلها مكانها في مكتبات البحث، أما المناهج الدراسية فهي تُصمم وفق أهداف تربوية راقية. إنما تشكيل العقول على مناهج شبيهة بكتاب “ألفاظ أبي شجاع”، فلن يخرج لنا، كما بيّن المستشار ماهر، سوى “قتال قتلة” أو “متحرش” أو “واحد يدعو إلى الرذيلة”.
إن ما خلق هذه الطالبان المخيفة التي استحالت الحياة في ظلها هو التعليم، يا سيدنا الشيخ. التعليم!
طالبان 10 هم “طلبة المدارس الدينية” مثل طلبة الأزهر تماما. نواتهم كانت اللاجئين الأفغان في باكستان عام 1994 11 الذين تربوا كأطفال في المدارس الدينية في باكستان وتمت تهيئة عقولهم على فكر معادي للإنسانية. وكان مقصودا أن تُخلق منهم هذه الوحوش الآدمية التي عرفناها في 1996 التي ارتكبت الفظائع علنا في شوارع أفغانستان وفجرت إرث الإنسانية المتمثل في تماثيل بوذا الأثرية في مارس 2001، [12] ونتابع المشهد الثاني منها اليوم! 13
في 2006 قال مرشد الإخوان مهدي عاكف كلماته المسمومة عن مصر في حوار مع روزاليوسف، وصرح أنه يفضل أن يحكمه مسلم ماليزي على أن يحكمه مسيحي مصري. [14] مرشد الجماعة الإرهابية لم يكن يقصد ماليزيا بالتحديد لكنه كان يقصد أن لا حدود للوطن وأن الخلافة هي الشكل السياسي المنشود وبذلك قد يصبح الولاء لأي جنسية ويشمل ذلك بطبيعة الحال الأفغان طالما كان الحاكم أو الوالي أو الخليفة مسلما.
هل يمكن أن نسمع منكم أنتم بالذات شجبا لهذه الفكرة المخيفة المدمرة المنتهكة لحق الإنسان الأصيل في الانتماء إلى وطن؟ هل يمكن أن تحكوا لنا عن مآل هذه الفكرة ذات الأساس الطائفي وكيف أن خطورتها تكمن في التفكيك وليس التركيب؟ فعلى أسس دينية يتحارب الناس وينقسمون ثم ينقسم المقسم ويتحارب ثم ينقسم ويتحارب وهكذا في متوالية لا نهائية.
هل تعرفون أن رئيس أفغانستان الهارب قد صرح في 2017 أن هناك 20 مجموعة إرهابية تعمل في أفغانستان؟ [15] هل تعرفون ما يعني هذا؟ يعني ببساطة 20 نسخة من الشريعة و20 خليفة يؤسس لـ20 خلافة، أي أن أمامنا دوامات عنف ستندلع داخل أفغانستان ثم ستتمدد إلى الدول المحيطة والعالم.
هل سمعتم عن داعش خراسان؟ عن جيش الإسلام؟ الدولة الإسلامية في العراق والشام؟ الشباب الصومالية؟ جبهة النصرة؟ كلها فصائل جهادية تطبق فكر مرشد الإخوان زعيم الإرهاب الأول في العالم. وسينقسمون إلى الأبد وإن لم يجدوا من يحاربونه سيحاربون بعضهم البعض حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
هل أعجبتكم الحياة في ظل حكم المسلم الأفغاني؟ أم أن الوجود الأمريكي هو ما جعل الحياة هناك محتملة وما أن حمل الأمريكان عصاهم ورحلوا حتى بحثتم على سبل الخروج من الجحيم؟ ما هو الجحيم؟ إنه منهج المرشد الإخواني. إنه طريق الظواهري. إنه طالبان وأعداءها المجاهدين.
كل ذلك يخلق عالما من الفوضى والجريمة وأنتم تحدثتم عن الفوضى والجريمة في تصريحاتكم الصحفية. وذكر أحدكم كيف اضطررتم للعودة إلى مقر السفارة المصرية في كابول وعدلتم عن دخول مطار كابول بسبب قطاع الطرق واللصوص الذين أرادوا سرقة أمتعتكم. فهل تعرف أيها الشيخ الجليل أنك نعت مجاهدي طالبان بقطاع الطرق واللصوص؟ ألا ترون تناقضا بين ما يدرسه طلبتكم عن السلب والنهب والسرقة وبين ما رفضتم أن يسري عليكم عندما مررتم بتجربة واقعية؟
فهل تعرفون منشأ هذه الفوضى؟ إنه غياب أي شكل للدولة الحديثة. أقصد الدولة العلمانية التي لا تميز بين مواطنيها على أساس الدين أو النوع أو العرق أو المهنة أو الطبقة. معلش. ما تزرعونه في أذهان طلبتكم عن روعة الخلافة في العصور الوسطى ينتمي إلى تلك العصور. ما قد يتصوره البعض من يوتوبيا ما هو إلا دستوبيا مرعبة كتلك التي فررتم منها. المرة القادمة حين تأكلكم أياديكم للحديث عن جماعات النهي عن المعروف كأحد أشكال الأمن أو عن الخليفة كرأس محتمل لدولة غير متحضرة فكروا في تجربتكم في أفغانستان فهي الحقيقة وما عداها ضلالات.
وأخيرا أتمنى أن تصدروا كتابا معتمدا من الأزهر يلخص تجربتكم في أفغانستان من بدايتها إلى نهايتها. وأتمنى أن تخلصوا النية لله تعالى وأنتم تكتبون هذه المذكرات وتكونون عونا على القضاء على هذا العنف المجنون الذي يدمر البشر ويسلبهم حقهم في حياة آمنة.
الهوامش
- “According to the Taliban’s fundamentalist views, women are inferior in every way to men, and are therefore denied anything resembling civil rights. Under the Taliban, Afghan women were required to wear burqas, long gowns that completely concealed their bodies, with only a small mesh screen allowing them to see and breathe. Women were also forbidden to engage in any work outside the home, their access to health care was restricted, and young girls were not allowed to attend schools.”
Ryan, James. Taliban. 2009. back
- Ryan, James. Taliban. 2009. back
Facebook Comments